فحينما تقطن العائلة اليهودية بقرب السور كان ذلك يسمح لها بالاستفادة من المجال الواقع بين الدار والسور، لقضاء بعض حوائجها بعيداً عن طريق المارة كغسل الملابس مثلاً ونشرها.
بالإضافة إلى ذلك ثمة عادة قديمة تقضي بألا يقبل في قلب المدينة إلا من كان معروفاً باستقامة صحيحة. ولذلك فإن السلطة الفرنسية وضعت أول بيت للدعارة من أجل الجيش في طرف المدينة. وبعد الحرب العالمية الأولى بدأ اليهود التبسيون يهجرون حرفتهم وهي الصياغة وصب المعادن، لينطلقوا في التحارة وخاصة السمسرة. لقد تركوا أيضاً بيوتهم القديمة وبدؤوا يستقرون في الحي الأوربي.
وأصبحت ترى شبابهم يبادر إلى الحفلات الراقصة التبسية مثيراً هنا وهناك بعض الصدام مع الشباب الأوربي، حينما تكون مناقشة من أجل عيون (مارجريت أو جاكلين).
والذي يتجرأ من الجزائريين فيغامر في هذه المجالات- وهو عامة من الشباب الخارج على مجتمعه- كان لا يجد ترحيباً. لذلك عمد الشباب إلى حل ظاهري للمشكلة بأن تراقصوا فيما بينهم، كل يراقص زميله، إنما لم يمنع ذلك من وقوع بعض الحوادث. أما أنا فكانت المشكلة الكبرى لدى وصولي تبسة ذلك الصيف ربطة العنق، فلم أجرؤ على إظهارها. ومن أجل اجتياز الساحة والمرور بطريق مكتظ بالناس كان علي انتظار الليل.
كان محكوماً علي أن أمضي عطلتي متسربلاً ببرنص، وألا أسرح وأمرح إلا خارج المدينة أو في الشارع عند أطرافها. وقد بلغ عذابي قمته يوماً حينما دعاني والدي لزيارة مجاملة لرئيسه حاكم تبسة. لاشك أنه كان يباهي بولده المتعلم. لكنه كان شيئاً مخيفاً في نفسي ولست أدري كيف اجتزت تلك التجربة أو تمكنت من العيش بعدها.