إذ حالت دون انجرافي في الرومانطيقية التي كانت شائعة في ذلك الجيل من المثقفين الجزائريين.

لقد أصبت هكذا عدداً لابأس به من المؤثرات الموجهة والمعدلة أو المحركة، وينبغي أن ألاحظ من بين هؤلاء واحدة تبدو فريدة، أعني أثر صديقي (محمد بن الساعي).

لم أكن قد عرفته بعد، فمنذ عام ترك المدرسة قبل أن ينهي دروسه، ولكنه ترك وراءه أثراً. فصديقي فضلي وهو مثله من أبناء (باتنه رضي الله عنهatna) كان يحدثني عنه. كنت أضفي على ما أسمعه منه شيئاً من المثالية. فـ (بن الساعي) الذي كان يكبرني لم يكن مخلصاً ذكياً ومثقفاً بالعربية والفرنسية فحسب، بل هو شخص مثال وقدوة.

ولعله مما يُدهِش أن نقرأ بعد ربع قرن من الزمن كتاباً ذكر فيه مؤلفه (بن الساعي) على أنه (معلمي) ولهذه الدهشة سببان: الأول أنه ليس مألوفاً في الجزائر أن نرى مثقفاً يعترف بشرف واحترام لمثقف آخر بما يعتقد أنه مدين له، والثاني لأن (معلمي) و (شيخي) الذي سقط إبان دراسته لأسباب نفسية واجتماعية، لم يقدم لمواطنيه الصورة نفسها التي كنت أراه فيها وأنا في السادسة عشرة من العمر.

ومع ذلك فقد ترك في نفسي أثراً خاصاً حينما تعرفت عليه شخصياً بعد عدة أشهر. ففي نزهاتنا معه أنا وفضلي بين غابات الصنوبر، كنت أستمع إلى طريقته في توجيهه الآيات القرآنية لتتخذ تفسيراً اجتماعياً لحالة المجتمع الإسلامي الحاضرة، وكان ذلك يؤثر في نفسي كثيراً.

ومن ناحية أخرى كان صالوننا الأدبي في مقهى (بوعربيط) يزودنا بفرص كثيرة من المشاركة في الحديث حول الأدب العربي. لقد اكتشفت بهاءه القديم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015