وبقي الإصلاح يسعى في شق طريقه بين الطرفين، دون أن يشعر أنه سيقدم ذات يوم استقالته المعنوية للجناح القومي البرجوازي الذي يتقبلها منه بكل سرور، ثم يكون عرضة للجناح الكادح الذي يطحنه ويدوسه بالأقدام، لأنه عرّض نفسه لذلك بتسليم مسؤولياته.

لم يكن (حمودة بن الساعي) وأخوه منتسبين لأحد هذه الأطراف، بينما كنت أنتسب للطرف الإصلاحي، لأنه كان يمثل في نظري الصورة الجزائرية للفكرة الوهابية التي كنت أرى فيها منقذ العالم الإسلامي.

أما (خديجة) فكانت على مذهبي كانت تطالع كل ما يكتب أو يصدر من المكتبات عن (عبد العزيز بن سعود)، وهكذا قرأت معها كتاب الكابتن الانجليزي (أرمسترونج) عن حياة العاهل الراحل (عبد العزيز آل سعود).

ولم تكن هذه النوافذ عن العالم لتلهيني في تلك الفترة عن مهماتي الشخصية في دروسي وفي المدرسة، وقد بقي تكويني الخاص جنباً إلى جنب مع ملاحظاتي العامة في الجو المدرسي، فاكتشفت يوماً فيوماً ما تتيحه لي الفرص. كنت أراقب نفسي وأراقب أقراني ربما بسبب مركب نقص تجاههم، نتج عن تقدمي في العمر بالنسبة إليهم، لأنني انفصلت عن التعلم مدة خمس السنوات التي بقيتها موظفاً وتاجراً في الجزائر بعد دراستي الشتوية، الأمر الذي جعلني أفرض على نفسي الجهد جهدين لأتخلص من مركب النقص، الذي لم يفارقني إلا في اليوم الذي طرح فيه (سودريه) على طريقته الفذة في أخذ مقياس مدرسته في التكوين، سؤالاً ماكراً في الرياضة فكنت الوحيد الذي أجاب عليه.

سعدت كثيرا ذلك اليوم، ولكني لاحظت أن المدير لم تلح كثيراً على وجهه علامات السرور في تلك المناسبة، وكأنما خاب أمله.

لاح لي وجه الاستعمار من الناحية النفسية هذه المرة، لأنني كنت متأكداً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015