بمدرسة أخرى متخصصة في الكهرباء والميكانيك، كانت في نظره أجدى بتكويني العلمي لأنها أعلى مستوى وذلك بفضل مديرها مسيو (سودريه) الذي سيصبح فيها بعد، وسيبقى على الرغم من بعض الظروف المؤسفة، نموذج رجل العلم الفرنسي في نظري.
وبدأنا نتهيأ للرحيل بعد الترتيبات الأخيرة، فكان (حموده بن الساعي) بعد أن ألقى محاضرة لفتت الأنظار وذلك تحت عنوان (القرآن والسياسة)، بجمعية الطلبة الوحدويين يستعد لإعادة إلقائها في (نادي الترقي) الذي تأسس منذ وقت قريب بمدينة الجرائر، مستدلاً على أن العاصمة قد تدرجت في حركة الإصلاح فدخلت في عهد (النهضة).
ولقد نال هذا التحضير الكثير من اهتهامنا إذ كنا حريصين على الاحتفاظ بإكليل الغار الذي تُوِّجنا به في نظر زملائنا بعد محاضرته ومحاضرتي، حتى غدا كلانا وبكل صراحة يستشم في نفسة رائحة الزعامة.
واليوم بعد أربعين سنة لا أشك في أن الإدارة الاستعمارية بشارع (لوكونت) كانت هي الأخرى تستشم هذه الرائحة فينا.
ولكن كيف يعقل أن السمك الصغير المغتر بعضلاته وهو يقفز فيمزق هنا وهناك بعض خيوط الشبكة، لم يكن يشعر بأنها تمزقه؟
لم يكن ذلك ممكناً لأن الخبرة لا تأتي إلا من التجارب وحدها.
ومهما يكن من أمر، فقد بدأ الحي اللاتيني يخلو من الطلبة، وشعرت أنني لم أرَ أهلي منذ سنتين، فشرعت في ترتيبات السفر فذهبت إلى مدرسة الكهرباء والميكانيك لأسجل اسمي للفصل المقبل، فاستقبلني مقيدها أحسن استقبال، وأشار عليَّ بالمواد التي تجب مراجعتها في العطلة الصيفية، فكان ذلك أول لقاءٍ لي بهذا العلاّمة، الذي سأتعلم منه أكثر من أي كتاب في حياتي، وإنني لأتذكر على