أعتقد أن مؤسسة (سيتروين Citroëne) هي التي نظمت كلتا الرحلتين. لكنه من الواضح أن الدولة الفرنسية كانت وراءها، لأن الأمر يتعلق بأن تثبت لأولئك الأقزام والمثيري الشغب من أهل الشمال الأفريقي أن إفريقيا وآسيا في قبضتها.
ثم كانت هناك زاوية استطلاعية ورياضية معاً في تلك المغامرات الآلية ذات المدى الطويل.
فللمرة الأولى أخضعت السيارة لتجربة المسافة الموحشة التي لم تطرقها من قبل طريق معبدة منظمة. (الرحلة السوداء) استحوذت على اهتمامي، اهتمام يثيره في نفسي بدون شك الحنين إلى الصحراء ونداء تمبوكتو. لكن سروري قد شابه شيء من الامتعاض. إذ أصبحت أشعر وأفكر على طريقتين: أمام ناظري حدث رياضي خارق يدعو للإعجاب لكنه هو أيضاً حدث استعماري. وإذ فهمت دلالته هذه فقد أفسد عليّ سوري وإعجابي به.
في تلك الفترة بدأ فكري ينشغل بالمستقبل، فسائر المدرسيين الذين يبلغون السنة الرابعة لا يفكرون بغير ذلك. ((ما العمل بعد التخرج من المدرسة؟)) لدي فرصة أن أكون عدلاً وترجماناً مساعداً وشاوش محام، وبشيء من (الواسطة) ربما كنت موظفاً في الإدارة المختلطة.
لكنني ما كنت أملك أن أذهب لقضاء سنتين في قسم (التعليم العالي) فهناك سببان يجعلانني لا أطمع في ذلك:
فقد كان عملي من أجل المقررات دون الوسط دائماً وكانت منازعاتي مع (دورنون عز وجلournon) فوق الوسط دائماً: فأنا أقرأ صحيفة (الإنسانية L’Humanité) وألبس البنطال، ولا أشارك في (التمارين)، الاسم الذي كان يطلق على ساعة الرياضة الأسبوعية.