ففي مقهى (باهي) كنت أروي تعطشي إذن لسماع تلك الأغاني، في وقت ينصرف فيه رفاقي لسماع حكايات صاحب المقهى، وكنت أستغرق في سماعها، فقد سيطرت علي أغاني أم كلثوم التي كانت قد بدأت بالانتشار.
في ذلك الوقت على الأرجح عاد الشيخ (العربي التبسي) من القاهرة، ليضيف إلى علماء تبسة الذين يفاخرون بدراستهم الأزهرية عالماً آخر.
فحتى ذلك الزمن لم يكن هناك من أبناء الجيل الذي تنتمي إليه والدتي غير عالم واحد، يمكنه أن يفاخر بالانتماء إلى الجامعة الإسلامية الكبرى، إنه الشيخ (مصطفى بن كحولة).
ولكن علم الأزهر قد أفقده شيئاً من عقله، وحين عرفته- وكنت لا أزال ولداً ضغيراً- كنت أراه صباح كل جمعة يتنقل أمام أبواب دور المدينة يقرأ سورة من القرآن تارة، ويطلق السباب والشتائم تارة أخرى على الأطفال الذين كانوا يتحلقون حوله.
ولكن قانوناً يبدو خاصاً بالعالم الإسلامي- يعود لأسباب عميقة لا ينبغي شرحها هنا- يجعل الوحدة إذا أضيفت لعدد لا تزيد قوته وإنما تنقص منها.
وقد أدى وصولي (العربي التبسي) إلى مثل هذه النتيجة. هكذا رأينا في المدينة فريقين: فريق يتبع الشيخ سليمان وآخر الشيخ العربي. أما الشيخ (عسول) والشيخ (الصدوق بن خليل) فقد فضّلا ترك حلبة الصراع للاهتمام بأعمالهما الخاصة.
إذن كان في تبسة في ذلك العصر خلاف واسع في الرأي. وقد شاءت عائلتي أن تحتفظ ببركة الشيخ سليمان وتستفيد من علم الشيخ العربي التبسي، نظراً لما للعلوم الأزهرية في نظر الناس من قيمة تاريخية قديمة.