وكثيراً ما كانت أراضي المعمرين الفرنسيين تحملني على التساؤل: ((أين هي أرض أجدادي؟)).

والواقع أن صحيفة (الإقدام) للأمير خالد و (الراية) لدندن قد أوجدتا في ذهني حساسية خاصة نحو هذا النوع من المشكلات.

وعلى حافتي الطريق كنا نصادف من آن لآخر جزائرياً يسوق أمامه حماره، ذاهباً على الأرجح إلى كوخه. وكنت أدرك بشيء من الغموض كيف يعمل هذا المعمر الفرنسي على محو تاريخ هذا الرجل عن الأرض ليصنع عليها تاريخه.

بعد أن اجتزنا منحدرات (حلوفة) بدت أمامي سهول تِبِسَّة قفراء أكثر من قبل. وعندما لاح من بعيد (قرص السكر) لاح عارياً بصخور بيضاء كلسية بفضل شمس تمور.

والرجل الذي كان يسير هنا مع حماره على حافة الطريق بدا لي أكثر انسجاماً مع الجو المحيط به. فتحت تلك السماء يتابع فصول تاريخه إنما لا يصنع تاريخ الآخرين.

واليوم أدرك كيف أن منطقة السهول المرتفعة قد حافظت في ضمير السكان عبر قرن من الاستعمار، على تلك الشعلة التي لم تمت كما ماتت في سكان شقيقتها منطقة التل، الذين أضحوا أكثر ألفةً وإيناساً، فشكلوا بذلك جرءاً من آلة الاستعمار.

وهنا نجد انقساماً تاريخياً يبدو للعيان: جنوب الجزائر وشمالها (زناتة) و (صنهاجة).

فمنذ القرطاجيين كانت كل مقاومة تُطِلُّ من الجنوب. ولعل غنى التربة يبدو عبر التاريخ مصاحباً للضعف في الخلال الحسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015