بها اليهود للنظرية ولإيحاءاتها المصادمة للعقيدة بصفة خاصة.
ومرة أخرى لا نتعرض هنا للنظرية بالنقد. وإن كنا سنشير فيما بعد إلى آراء الدارونية الحديثة نفسها في هذا الأمر، بعد ما تقدم العلم كثيرا عما كان عليه أيام دارون، وكشف عن أشياء لم تكن مكشوفة له في ذلك الحين، إنما نتكلم عن إيحاءاتها المصادمة للعقيدة.
إن النظرية -بصرف النظر عن صحتها أو عدم صحتها من الوجهة العلمية البحتة- لم يكن من الحتم أن تصاغ بالطريقة التي تصادم العقيدة لولا ذلك الصراع القديم الذي قام بين الكنيسة والعلماء واستمر إلى وقت دارون وما بعده، وجعل "العلماء" يتعمدون تجريح الدين ورجاله انتقاما مما فعلته الكنيسة من قبل، كما جعل أوروبا تهرب من إله الكنيسة وتضع "الطبيعة" إلها بدلا منه!
لو قال دارون إن الله حين خلق الحياة على الأرض هيأ لها ظروفا معنية تساعد على وجود الخلية الحية ونموها واستمرارها، ثم نوع الله الخلائق على نسق معين بدءا من الكائن الوحيد الخلية إلى أكثر الخلائق رقيا وتعقيدا وهو الإنسان، وإن قمة الإعجاز في الخلق -والخلق كله معجز- هو خلق الإنسان على هذه الصورة وإمداده بالمزايا التي تؤهله للقيام بدوره على الأرض1.
لو قال هذا، ثم أورد كل ما أورده من التفصيلات العلمية التي أتى بها في نظريته -بصرف النظر عن صحتها أو خطئها من الناحية العلمية- فماذا كان يمكن أن يحدث؟!
كانت النظرية تظل موضع أخذ ورد بين العلماء للاستيثاق من صحة تلك التفصيلات، كما يحدث مع أي فرض علمي أو نظرية علمية، حتى تمحص وتثبت حقيقتها ولكن دون رجة ولا ضجة ولا هزات.
ولكنه -لأمر ما- لم يقل ذلك ولم يرد أن يقوله!