وإخلاص العبادة يقتضي الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه وتعالى، ويقتضي توجيه الشعائر التعبدية له وحده، ويقتضي كذلك التصديق بكل ما جاء من عنده على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- والاحتكام إلى شريعته وحدها دون الشرائع الجاهلية التي يصنعها البشر من عند أنفسهم دون سلطان من الله.
والإخلال بأي واحدة من هذه الثلاثة يوقع الإنسان في الشرك ويخرجه من دائرة الإيمان:
{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} 1.
كما قالوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 2.
فهذه هي الثلاثة التي أوقعتهم -أساسا- في الشرك: توجيه الشعائر التعبدية لغير الله، والتحليل والتحريم من دون الله، والاعتقاد بوجود آلهة مع الله.
وكلها مجتمعة شرك، وكل واحدة بمفردها شرك لا يستقيم معه إيمان ... والمعاصي تقع من البشر جميعا: "كل بني آدم خطاء" 3.
ولكنها لا تخرجهم من الإيمان باتفاق علماء الأمة..
إلا أن يجعلوها شرعا فعندئذ يكفرون بها، بل هم يكفرون بالتشريع ولو لم يرتكبوا المعصية بأنفسهم.. فالذي يقول -بلسانه أو بفعله- إن الله أمر بقطع يد السارق ولكني أرى أن العقوبة المناسبة للسارق هي السجن -وهو ما تفعله العلمانية الجاهلية- فقد كفر بذلك وإن لم يسرق بنفسه ولم يفكر في السرقة.
والذي يقول -بلسانه أو بفعله- إن الله أمر برجم الزاني المحصن وجلد الزاني غير المحصن، ولكني أرى أنه لا عقوبة على الزنا إذا كان برضى الطرفين البالغين الراشدين "أي: لم تكن الفتاة قاصرا" ولم تقع شكوى من أحد الزوجين، فإن كان هناك اغتصاب أو اشتكى أحد الزوجين فالعقوبة هي السجن -وهو ما تفعله العلمانية الجاهلية- فقد كفر بذلك وإن لم يرتكب الفاحشة بنفسه ولم يفكر في ارتكابها ...