ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} 1.
ولكن رؤية هذا الجمال والتفاعل معه والانفعال به تحدث في النفس السوية توجها إلى الله بالعبادة؛ لأنه هو خالق هذا الكون الجميل ومسخره للإنسان، وخالق هذه الحاسة الجمالية في تركيب الإنسان ليستمتع بهذا الجمال.
أما النكسة العلمانية في الحس الأوروبي المنسلخ من الدين فقد ذهبت في طريق آخر مخالف، فجعلت من هذا الحس الجمالي وثنية كاملة تعبد الطبيعة بدلا من عبادة الله. وقد وردت كلمة الوثنية بالذات ورودا مكررا في شعر الرومانسيين كأنما هو أمر مقصود!
بل إن الرومانسية في الحقيقة هي التي يسرت للحس الأوروبي الانزلاق إلى تلك المغالطة المكشوفة التي جعلت الطبيعة إلها بدلا من الله، حتى سرت هذه المغالطة إلى "العلماء" أنفسهم فتعاملوا معها كأنها حقيقة واقعة.. بل صاروا في النهاية يقبلونها -وحدها- ويعتبرونها إفسادا لروح البحث العلمي!
ثم ذوت الرومانسية بعد فترة من الوقت وحلت محلها الواقعية رد فعل لها، إذ كانت الرومانسية مغرقة في الخيال المغرب فجاءت الواقعية لترد الناس وترد الفن إلى الواقع.
ولكن أي واقع هو الذي ارتد إليه الفن وارتد إليه الناس؟!
إنه الواقع الصغير.. الهابط.. المنسلخ من الدين.. من القيم.. من الأخلاق!
ففي الفترة التي استغرقتها الرومانسية وارتدت بعدها إلى الواقع كان الناس قد ساروا خطوات على العلمانية المنسلخة من الدين فهبطوا، فجاءت الواقعية لترصد واقعهم حيث هم.. ثم تقول هذا هو الواقع البشري!
فأما كون هذا هو الواقع الذي كان عليه الناس وقتئذ فهذا حق لا شك فيه، وأما أن هذا هو الواقع البشري على إطلاقه فأمر يكذبه التاريخ, تكذبه فترات الهدى في حياة البشرية، التي ارتفع الناس فيها إلى قمم تبدو -في هذا الواقع المنحرف- كأنها خيالات، ولكنها كانت واقعا عاشه الناس بالفعل، وينبغي أن يحاولوا على الدوام أن يعودوا إلى ذلك المستوى السامق أو يعودوا إلى قريب