رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} 1.

والميثاق هو أصلا ميثاق مع الله، تتفرع منه وتندرج تحت جميع المواثيق:

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} 2.

وأول الأمانات هي الأمانة المؤداة إلى الله، ثم تأتي بعدها جميع الأمانات التي أبرز سياق الآية منها الحكم بين الناس بالعدل..

وعلى هذا الأساس يكون للسياسة أخلاق، وللاقتصاد أخلاق، وللاجتماع أخلاق، وللعلم أخلاق، ولكل شيء على الإطلاق أخلاق.. ولا يكون هناك شيء واحد في حياة الإنسان بلا أخلاق ...

ومنشأ الأخلاق ليس هو الفرض من الخارج ... في صورة أوامر ونواه وزواجر من عند الله أو من عند غيره، إنما الله سبحانه وتعالى هو الذي يحدد ما هو حلال وما هو حرام، وما هو حسن وما هو قبيح، وما هو خير وما هو شر.. إلخ. فيتبعه المؤمنون التزاما بما أنزل الله، وأما غير المؤمنين فيستمدون ذلك كله من عند غير الله، وفي الحالين لا يكون هذا هو منشأ "الأخلاق" عند هؤلاء وهؤلاء ... إنما يكون فقط هو منشأ "المعايير" التي تضبط الأخلاق.

إنما تنشأ الأخلاق -كما قلنا من قبل في أكثر من موضع في الفصول السابقة- من طبيعة الإنسان ذاته، من أن له طريقين, وأن له القدرة على التمييز والاختيار بين الطريقين:

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 3.

ومن ثم فالقيمة الخلقية لاصقة بأعمال الإنسان بحكم طبيعته.. وإنما تختلف القيم باختلاف واضعها: هل هو الله أم هم البشر. فإن كانت من عند الله فهذه هي القيم الحقيقية الصالحة؛ لأنها من عند خالق الإنسان العليم به وبما يصلح له وما يصلحه:

{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015