{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 1.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} 2.
نبراس واضح: يختار الإنسان سلوكه ثم تترتب على اختياره نتائج حتمية الوقوع، ويغير الإنسان ما هو عليه فيغير الله له، إن كان في نعمة فكفرها يغير الله حاله إلى سوء، وإن كان في سوء فغيره يغير الله حاله إلى الخير.
وتفسح السنن الربانية الرقعة فلا تحصرها في الحياة الدنيا وأحداثها، إنما تمدها إلى اليوم الآخر، الذي يتحقق فيه الجزاء الكامل، وتكتمل صورة الحق التي لم تكتمل في لحياة الدنيا:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} 3.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} 4.
فقد يقع الظلم من إنسان، ويظل ظالما حتى الموت دون أن يأخذ جزاءه في الحياة الدنيا، وقد يقع الظلم على إنسان فيظل مظلوما حتى الموت دون أن ينتقم الله له من ظالمه في الحياة الدنيا. ولكن هذا ليس آخر المطاف.. إنما آخر المطاف يوم {يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} 5 فينال الإنسان جزاءه الكامل على الموقف الذي اتخذه والطريق الذي اختاره، سواء كان قد عجل له بشيء من الجزاء في الحياة الدنيا أو أجل له كله إلى اليوم الحساب.
وفرق كبير بين وضع "الإنسان" في التصور الإسلامي والتصور الذي يقدمه التفسير المادي للتاريخ, وبين حجم الإنسان وحجم فاعليته في كلا التصورين، ففي التصور الإسلامي هو حقيقة "إنسان" يمارس مسئوليته في الأرض، يمارس حمل الأمانة التي اختصه بها الله بين المخلوقات، وهو في التصور الآخر شبح غير محدد الكيان أو أداة لا حرية لها ولا اختيار.
وأخيرا فإن الإنسان في تطوره التاريخي له كيان ثابت وصور متغيرة على الدوام.