الحكام الذين يحكمون في بعض الأمور بغير ما أنزل الله, ولكن يظل الظلم الواقع على مجموع الأمة أقل بكثير مما يقع على الأمم التي لا تحكم بما أنزل الله, ثم يظل من واجب الأمة المسلمة أن تقاوم الظلم وترد الظالم إلى الصواب، وإلا فهي آثمة في حق الله كما أنها آثمة في حق نفسها.
وحين يشتد الظلم فيثور المسلمون -وقد حدث هذا أكثر من مرة في التاريخ الإسلامي- فهو ليس صراعا "طبقيا" بالمعنى الذي يشير إليه التفسير المادي للتاريخ؛ لأنه لا يوجد طبقة تريد الإطاحة بطبقة أخرى لتأخذ مكانها في السلطة والتشريع، إنما يطالب الثائرون بالعدل، أي: بتطبيق شريعة الله في المواضع التي خولفت فيها شريعة الله، وما أبعد هذا عن الصراع الطبقي كما يفهمه التفسير المادي للتاريخ!
إنما يوجد الصراع في النظام الرباني على أسس مختلفة تماما عن الصراع الطبقي الذي هو محور الحياة في الجاهلية "إن صدقنا التفسير المادي للتاريخ في إرجاعه كل الصراعات في الأرض إلى الصراع الطبقي، وسنرى الآن أن هذا غير صحيح".
الصراع الذي أمر الله المؤمنين بخوضه هو هذا الصراع:
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} 1.
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} 2.
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 3.
صراع لا علاقة له على الإطلاق "بالطبقات" ولا بالملكية الفردية! إنه صراع الحق والباطل، الذي يقول الله فيه:
{الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ