وكما ألغت الجاهلية المعاصرة اليوم الآخر من حس الناس لكيلا تفقد شرعية وجودها من أول لحظة، وألغت الإيمان بالله لكي لا يعوق "مصالحها" ومخططاتها.. فكذلك ألغت كل معيار حقيقي لإنسانية الإنسان لذات الدوافع وذات الأسباب!
لو أقرت الجاهلية المعاصرة أن الإنسان يختلف عن الحيوان منذ البدء في أن له عقيدة واعية في الله، وقدرة على الإيمان بما لا تدركه الحواس "أي: الإيمان بالغيب" وأن أعماله -كلها- تحمل قيمة خلقية ناشئة من أن له طريقين لا طريقا واحدا كالحيوان، وقدرة على التمييز بين الطريقين وقدرة على الاختيار، ومن ثم يوصف علمه بأنه خير أو شرير، بينما لا يوصف بذلك عمل الحيوان.. لو أقرت بذلك فكيف تبرر كل ممارساتها التي تقيمها على أساس حيوانية الإنسان؟
ولو أقرت بذلك فكيف تفعل بمخططاتها ومصالحها؟!
كيف يتحقق للرأسمالية ربحها الحرام، القائم أساسا على الفصل الكامل بين العمليات الاقتصادية وبين الدين والأخلاق؟ وكيف يتحقق لليهودية مخططها في استحمار الأمميين وتسخيرهم لشعب الله المختار؟
كيف يتحقق للرأسمالية ربحها من الربا، ومن الصناعات التافهة التي تميع الطباع وتفسد الأخلاق، ومن الحروب التي تثيرها من أجل إيجاد أسواق لتصريف فائض الإنتاج.
وكيف يتحقق لليهودية مخططها في إفساد الرجل والمرأة وشغلهما بمقاذر الجنس عن تنشئة أطفال صالحين يقومون في شبابهم بإرساء قواعد الحق والعدل وإرساء قواعد الأخلاق؟ وكيف تقوم بتفكيك روابط الأسرة والمجتمع، وشغل البشرية كلها بجنون الجنس وجنون السينما وجنون التليفزيون وجنون الكرة وجنون "المودة" وجنون "التقاليع"..؟
كلا! إنها لا يمكن أن تقر بذلك؛ لا لأنه ليس حقيقة في ذاته؛ ولكن لأن الإقرار به يفقدها شرعية وجودها على التو، ويضر أيما إضرار بمخططاتها ومصالحها.
وإذن فلتقل أي شيء تميع به القضية وتبعد حقيقتها عن الأذهان.
فلتقل إن الحضارة المادية هي مقياس إنسانية الإنسان!