وَكَانَ اخْتِلَاف الأسلوب مَعَ كل جمَاعَة لَا لمُجَرّد التنويع والتظرف فِي الحَدِيث، وَلَكِن كَانَ لاخْتِلَاف الْوَسَائِل المقنعة لكل جمَاعَة من الْجَمَاعَات السَّابِقَة؛ فَمَا يُنَاسب الْمُؤمنِينَ لَا يُنَاسب المعاندين، وَمَا يقنع أهل الْكتاب قد لَا يقنع الْمُلْحِدِينَ.
فعلى الداعية إِذا أَن يدرس البيئة الَّتِي يعِيش فِيهَا، والظروف المحيطة بِهِ، وأحوال النَّاس الَّذين يُقيم بَينهم، وَعَلِيهِ أَن يُقيم بَينهم، وَعَلِيهِ أَن يتعرف على كل مَا يتَّصل بحياتهم من الْأَحْوَال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وَهل هُنَاكَ مؤثرات خارجية، وضغوط طارئة تضعهم تَحت ظروف غير طبيعية فتصبغهم بصبغة مُؤَقَّتَة يُمكن أَن يتخلصوا مِنْهَا بِزَوَال هَذِه المؤثرات وَتلك الضغوط، أم أَن هَذِه الصبغة نتيجة جهل بالحقائق، وَعدم معرفَة بِمَا يجب أَن يَكُونُوا عَلَيْهِ؟
يجب أَن يدرس الداعية ذَلِك كُله، ثمَّ يضع خطة عمله على أساس تِلْكَ الدراسة الوافية الَّتِي تمكنه من ممارسة مهمته بنجاح.
3- وعَلى الداعية أَن يخْتَار الموضوعات الملائمة الَّتِي تعالج مشكلات النَّاس، وَتقدم لَهُم الْحُلُول الْمُنَاسبَة الَّتِي تجعلهم يُؤمنُونَ بِأَن الدعْوَة الإسلامية هِيَ الَّتِي تحقق لَهُم أكبر قدر مُمكن من السَّعَادَة وَالْخَيْر فِي تِلْكَ الْحَيَاة، وَحِينَئِذٍ لَا يتطلعون إِلَى غَيرهَا، وَلَا يؤملون الْخَيْر فِي سواهَا.
أما أَن يكون الداعية فِي وَاد والمدعوون فِي وَاد آخر، أَو أَن يعِيش الداعية بعقلية غَيره، وَيجْبر المدعوين على التلون بذلك اللَّوْن الَّذِي لَا يتناسب وأسلوب حياتهم، أَو أَن يرجع الداعية بالمدعوين إِلَى عصر غابر ودهر سالف، ثمَّ يتَعَرَّض لمشكلات ذَلِك الْعَصْر، فَيكون كمن يَصِيح فِي وَاد أَو ينْفخ فِي رماد، فَذَلِك فِي الْحق ضيَاع للجهد، وتفتيت للقوى.
نعم لَو كَانَت مشاكل ذَلِك الْعَصْر متشابهة بمشكلات الْعَصْر الَّذِي نَعِيش فِيهِ فَلَا بَأْس بالتعرض لَهَا مَعَ ربطها بمشاكلنا، واقتراح الْحُلُول الْمُنَاسبَة لَهَا، وعَلى الداعية فِي هَذِه الْحَال أَن يتَنَاوَل الْمَوْضُوع بِمَا يتناسب مَعَ عصره الَّذِي يعِيش فِيهِ، وَأَن ينظر إِلَيْهِ وعقلية العبقري الَّذِي يضع الْأُمُور فِي نصابها، ويبتكر الْحُلُول الَّتِي تقضي على المشكلة من أساسها.
وعَلى هَذَا يكون اخْتِيَار الموضوعات غير الْمُنَاسبَة - كتزهيد الْفُقَرَاء فِي الدُّنْيَا، وحثهم على تَركهَا والبعد عَنْهَا - ضربا من الْحمق والسفه لَا يُنَاسب مقَام الدعاة إِلَى الله عز وَجل، وَهل