مدرسه الدعوه (صفحة 21)

قَالَت زوجه: بِأبي أَنْت وَأمي، أتخشى على الصبية من ذِي الشرى - الصَّنَم - شَيْئا؟ قَالَ: لَا، أَنا ضَامِن لذَلِك3.

لقد أصبح ذُو الشرى - ذَلِك الصَّنَم الَّذِي كَانَ يعظمه الطُّفَيْل ويرهبه - حجرا لَا يضر وَلَا ينفع، وَأصْبح الطُّفَيْل يزدريه ويحتقره، بل ويحتقر أُولَئِكَ الَّذين لَا يزالون يعظمونه، وَيدعونَ لَهُ مكانة تعدل مكانة الْإِلَه، وَهُوَ لَا يعدو أَن يكون حجرا قطعوه من الْجَبَل، وصنعوه بِأَيْدِيهِم، ثمَّ دانوا لَهُ من دون الله بالإجلال والتضرع والابتهال.

وَلم يكتف الطُّفَيْل - رَضِي الله عَنهُ - بِهَذَا الْموقف من الْآلهَة، وَلكنه أَبى إِلَّا أَن يكون لَهُ مَعهَا شَأْن آخر، فألح على الرَّسُول- صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَبْعَثهُ إِلَى ذِي الْكَفَّيْنِ - صنم عَمْرو بن حممه - ليحرقه فَأذن لَهُ الرَّسُول، وَخرج إِلَيْهِ، وَجعل يُوقد عَلَيْهِ النَّار وَيَقُول:

ميلادنا أقدم من ميلادكا ... يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لست من عبادكا

إِنِّي حشوت النَّار فِي فؤادكا4

إِن إحراق الطُّفَيْل للصنم الَّذِي كَانَ قومه يخضعون لَهُ، ويعطونه ولاءهم، لدَعْوَة عملية للكفر بِتِلْكَ الْآلهَة، ونداء صَرِيح بالوحدانية الَّتِي جَاءَ بهَا الْإِسْلَام، إِذْ كَيفَ يحرق الْإِلَه دون أَن يدْفع عَن نَفسه؟ أتراه ذلّ وَهَان إِلَى ذَلِك الْحَد، أم قدم نَفسه هُوَ الآخر فدَاء للإنسانية، وتحملا لخطايا بني آدم المغفلين؟؟

إِن الْعقل الإنساني يرفض هَذِه وَتلك، ويأبى إِلَّا أَن يكون للإله قدرَة يدْفع بهَا عَن نَفسه من أَرَادَهُ بِسوء، بل إِن الْعقل ليذْهب إِلَى مَا هُوَ أبعد من ذَلِك، إِنَّه يرفض أَن يتَمَكَّن الْإِنْسَان مهما كَانَت قدرته أَن يدْخل مَعَ الله فِي صراع وَهُوَ الْعَاجِز المفتقر إِلَيْهِ فِي كل أَحْوَاله.

أَفلا يكون ذَلِك وَحده كَافِيا لرد هَذِه الْعُقُول إِلَى صوابها، وَتَحْوِيلهَا إِلَى مَا يجب أَن تكون عَلَيْهِ بعد ضلالها.

وَهَكَذَا يكون الطُّفَيْل دَاعِيَة بِعَمَلِهِ أَكثر مِمَّا دَعَا قومه بِكَلَامِهِ، وَكَيف لَا؟ وَقد رَآهُ قومه يسخر من ذِي الشرى وَيضمن عَجزه عَن أَن يُصِيب صَبيا بِسوء، ثمَّ هاهو ذَا يحرق ذَا الْكَفَّيْنِ دون أَن يُصِيبهُ أدنى مَكْرُوه، إِنَّه بِعَمَلِهِ هَذَا أثبت لِقَوْمِهِ عجز مَا يعْبدُونَ، فَعَلَيْهِم أَن يتوجهوا بعبادتهم وطاعتهم لمن يَدعُوهُم إِلَيْهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015