وما زال الجيش الإسلامي يواصل الفتوح من بلدة إلى أخرى، حتى تم الفتح لمصر عام عشرين، وانساح الصحابة والتابعون في أنحاء البلاد طولًا وعرضًا، ينشرون دين الله، ويبلغون رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، وأخذ كثير من أهل البلاد يقبلون على الفاتحين الأولين ويؤثرونهم بالحب، بعد أن عرفوا سماحة الإسلام وعدالته، وظهر لهم الفارق الكبير بين ما كانوا عليه أيام حكم الرومان من غطرسة وظلم واستبداد، وما لمسوه في هؤلاء الفاتحين من عدالة ورأفة ورفق وإحسان فدخل في الإسلام كثير من أهل البلاد، وبدءوا يطلبون ما لديهم من معارف الإسلام وعلومه الرفيعة وكانت مادة الصحابة في تعليم هؤلاء أصول الدين ما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

كان الصحابة ينشرون دين الله ويبلغون عن رسوله، ودخل كثير من أهل البلاد في الإسلام فتعلموا على يد الصحابة والتابعين أحكام الدين وأصول العلم، فحفظوا القرآن، ورووا السنة وتفقهوا في الدين.

وكان من أكثر الصحابة رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد امتاز على غيره من سائر الصحابة بأنه كان يكتب ما يسمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يكتبون.

خرج عبد الله بن عمرو بن العاص إلى مصر عندما ولاه إياه معاوية، وبقي بها مقيمًا بعد وفاة والده، وكان يحج ويعتمر ثم يعود إليها، حتى توفي بها في بعض الأقوال.

ولم يكن عبد الله بن عمرو وحده الذي يكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتصدى لتعليم الناس في مصر، فقد كان معه كثير من الصحابة يؤدون نفس المهمة ويقومون بهذا الدور.

كان هناك عقبة بن عامر الجهني، كما كان خارجة بن حذاقة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، ومحمية بن جزء، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأبو بصرة الغفاري، وأبو سعد الخير ومعاذ بن أنس الجهني، وعبد الله بن أنيس، وعبادة بن الصامت وكثير غير هؤلاء ممن سنذكرهم في أول فصول هذا الكتاب.

تخرج على يد هؤلاء الصحابة الكثير من التابعين، منهم أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني مفتي أهل مصر، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد العزيز بن مروان، وعمار بن سعد التجيبي، ثم الحارث بن يعقوب الأنصاري -والد الفقيه عمر بن الحارث- وعطاء بن دينار، ثم جعفر بن ربيعة الكندي، وغير هؤلاء كثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015