اليسرى" وقد اعتبرناه من الغرائب لطرافته، ولمبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم بتصحيح خطأ الرجل وهو في موقفه بين يدي الله عز وجل، وقد نص الحافظ على أن رجاله رجال الصحيح.
ومن ذلك أيضًا أن فتية من قريش قد حلوا أزرهم1 فجعلوها مخاريق2 وهم عراة، وذلك في حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي: "أنه مر وصاحب له على فتية من قريش قد حلوا أزرهم فجعلوها مخاريق يجتلدون بها وهم عراة. قال عبد الله: فلما مررنا بهم قالوا: إن هؤلاء قسيسون فدعوهم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم فلما أبصروه تبددوا، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبًا حتى دخل، وكنت وراء الحجرة فسمعته يقول: "سبحان الله، لا من الله استحيوا، ولا من رسوله استتروا"، وأم أيمن عنده تقول: استغفر لهم يا رسول الله، فبلأي ما استغفر لهم، وفي رواية: "فتأبي ما استغفر لهم"، رواه أحمد وأبو يعلى.
ومن ذلك هذه المفاضلة اللطيفة التي فاضل فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين رجل رفض شفاعته وبين الذي يبخل بالسلام، وذلك حديث جابر: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لفلان في خائطي عذقًا3 وإنه قد آذاني وشق على مكان عذقه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بعني عذقك الذي في حائط فلان"، قال: لا، قال: "فهبه لي"، قال: لا، قال: "فبعنيه بعذق في الجنة"، قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت الذي هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام" رواه أحمد والبزار، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح4.
ومن ذلك أن عمرًا أتى النجاشي فوجد من عنده يدخلون مكفرين5 من خوخة، فلما رأى الخوخة ودخولهم عليه أولاه ظهره، ودخل يمشي القهقرى، فلما دخل منها اعتدل، ففزعت الحبشة وهموا بقتله، قالوا: ما منعك أن تدخل كما دخلنا؟ قال: لا نصنع ذلك بنبينا، فهو أحق أن نصنع ذلك به، فقال النجاشي: اتركوه صدق، رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر6.
ومن ذلك أن رجلًا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، فرعم أنه ينزل له عن خير منها "يريد امرأته" وذلك في حديث جرير: أن عيينة بن حصن دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فقال: من هذه إلى جانبك؟ قال: "عائشة"، قال: يا رسول الله