صحيحة، حين يتلقاها وهو متجرد من أية "مقررات" سابقة في هذا الباب -سواء من مقولاته الذاتية، أو من مقولات العقائد المحرفة، ولو كان لها أصل رباني- وعليه أن يتقيد فيما يتلقاه من ذلك المصدر الصحيح بالمدلول اللغوي أو الاصطلاحي للنص الذي وردت فيه هذه المقومات -بدون تأويل- ما دام النص محكما، وأن يصوغ من هذا المدلول مقرراته هو ومنهجه في النظر أيضا. فليس له أن يرفض هذا المدلول أو يؤوله -متى كان متعينا من النص- بحجة أنه غريب عليه أو صعب التصور عنده، أو أن منطقه لا يقره! فهو -العقل البشري- ليس حَكَما في صحة هذا المدلول أو عدم صحته -في عالم الحقيقة والواقع- وإنما هو حكم فقط في فهم دلالة النص على مدلوله -وفق المفهوم اللغوي أو الاصطلاحي للنص- وما دل عليه النص فهو صحيح، وهو الحقيقة، سواء كان من مألوفات هذا العقل ومسلماته أم لم يكن ... ويستوي في هذه القاعدة العقيدة والشريعة:

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .

وصدق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "لو كان الدين بالرأي, لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" "أخرجه أبو داود".

ومن ثم, فإن محاكمة التصور الإسلامي أو محاكمة مقوماته التي يقوم عليها -ومنها ما هو غيب، كالملائكة والجن والقدر، والقيامة، والجنة والنار- إلى العقل البشري ومقرراته الذاتية، منهج غير إسلامي.

وهذا لا يعني أن التصور الإسلامي مناقض أو مصادم للعقل البشري. فإن مقرراته كلها نوعان: نوع الإدراك البشري قادر على تصوره -عند تلقيه من المصدر الرباني- ونوع هو غير قادر على إدراكه ولكن منطقة ذاته يسلم بأن طبيعته أكبر من حدود إدراكه، وأن "وجود" ما هو أكبر من حدود إدراكه داخل في قدرة الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015