أَجَلُّهَا وَأَفْضَلُهَا: أَهْلُ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِالَلَّهِ عَلَيْهَا، فَعِبَادَةُ اللَّهِ غَايَةُ مُرَادِهِمْ، وَطَلَبُهُمْ مِنْهُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهَا، وَيُوَفِّقَهُمْ لِلْقِيَامِ بِهَا، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يُسْأَلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْإِعَانَةُ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبِّهِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» .
فَأَنْفَعُ الدُّعَاءِ طَلَبُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَأَفْضَلُ الْمَوَاهِبِ إِسْعَافُهُ بِهَذَا الْمَطْلُوبِ، وَجَمِيعُ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ مَدَارُهَا عَلَى هَذَا، وَعَلَى دَفْعِ مَا يُضَادُّهُ، وَعَلَى تَكْمِيلِهِ وَتَيْسِيرِ أَسْبَابِهِ، فَتَأَمَّلْهَا.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .
وَمُقَابِلُ هَؤُلَاءِ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُمُ الْمُعْرِضُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، فَلَا عِبَادَةَ وَلَا اسْتِعَانَةَ، بَلْ إِنْ سَأَلَهُ أَحَدُهُمْ وَاسْتَعَانَ بِهِ فَعَلَى حُظُوظِهِ وَشَهَوَاتِهِ، لَا عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّهِ وَحُقُوقِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَسْأَلُهُ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَعْدَاؤُهُ وَيَمُدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَأَبْغَضُ خَلْقِهِ عَدُّوُهُ إِبْلِيسُ وَمَعَ هَذَا فَقَدَ سَأَلَهُ حَاجَةً فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَمَتَّعَهُ بِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَوْنًا لَهُ عَلَى مَرْضَاتِهِ، كَانَتْ زِيَادَةً لَهُ فِي شِقْوَتِهِ، وَبُعْدِهِ عَنِ اللَّهِ وَطَرْدِهِ عَنْهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى أَمْرٍ وَسَأَلَهُ إِيَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَوْنًا عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُبْعِدًا لَهُ عَنْ مَرْضَاتِهِ، قَاطِعًا لَهُ عَنْهُ وَلَا بُدَّ.
وَلْيَتَأَمَّلِ الْعَاقِلُ هَذَا فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ إِجَابَةَ اللَّهِ لِسَائِلِيهِ لَيْسَتْ لِكَرَامَةِ السَّائِلِ عَلَيْهِ، بَلْ يَسْأَلُهُ عَبْدُهُ الْحَاجَةَ فَيَقْضِيهَا لَهُ، وَفِيهَا هَلَاكُهُ وَشِقْوَتُهُ، وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ لَهُ مِنْ هَوَانِهِ عَلَيْهِ، وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ، وَيَكُونُ مَنْعُهُ مِنْهَا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، فَيَمْنَعُهُ حِمَايَةً وَصِيَانَةً وَحِفْظًا لَا بُخْلًا، وَهَذَا إِنَّمَا يَفْعَلُهُ بِعَبْدِهِ الَّذِي يُرِيدُ كَرَامَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ، وَيُعَامِلُهُ بِلُطْفِهِ، فَيَظُنُّ بِجَهْلِهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُكْرِمُهُ، وَيَرَاهُ يَقْضِي حَوَائِجَ غَيْرِهِ، فَيُسِيءُ ظَنَّهُ