وَعَدْلٍ وَمَصْلَحَةٍ، وَلَوْ سَلَّطَكُمْ عَلَيَّ فَلَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ مَا لَهُ الْحَمْدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَسْلِيطُ مَنْ هُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا يَظْلِمُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا عَبَثًا بِغَيْرِ حِكْمَةٍ.
فَهَكَذَا تَكُونُ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ، لَا مَعْرِفَةَ الْقَدَرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ، نُفَاةِ الْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ وَالتَّعْلِيلِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ سُبْحَانَهُ.
فَصْلٌ
وَلَمَّا كَانَ طَالِبُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ طَالِبَ أَمْرٍ أَكْثَرُ النَّاسِ نَاكِبُونَ عَنْهُ، مُرِيدًا لِسُلُوكِ طَرِيقٍ مُرَافِقُهُ فِيهَا فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَالْعِزَّةِ، وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى وَحْشَةِ التَّفَرُّدِ، وَعَلَى الْأُنْسِ بِالرَّفِيقِ، نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الرَّفِيقِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فَأَضَافَ الصِّرَاطَ إِلَى الرَّفِيقِ السَّالِكِينَ لَهُ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، لِيَزُولَ عَنِ الطَّالِبِ لِلْهِدَايَةِ وَسُلُوكِ الصِّرَاطِ وَحْشَةُ تَفَرُّدِهِ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَبَنِي جِنْسِهِ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ رَفِيقَهُ فِي هَذَا الصِّرَاطِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَكْتَرِثُ بِمُخَالَفَةِ النَّاكِبِينَ عَنْهُ لَهُ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَأَقَلُّونَ قَدْرًا،