الشَّيْءِ، وَتَصْفِيَتُهُ مِمَّا يَشُوبُهُ. وَمِنْهُ: اصْطَفَى الشَّيْءَ لِنَفْسِهِ. أَيْ خَلَّصَهُ مِنْ شَوْبِ شَرِكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِيهِ. وَمِنْهُ الصَّفِيُّ وَهُوَ السَّهْمُ الَّذِي كَانَ يَصْطَفِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ. وَمِنْهُ: الشَّيْءُ الصَّافِي. وَهُوَ الْخَالِصُ مِنْ كَدَرِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: الصَّفَاءُ: اسْمٌ لِلْبَرَاءَةِ مِنَ الْكَدَرِ.
الْبَرَاءَةُ: هِيَ الْخَلَاصُ. وَالْكَدَرُ امْتِزَاجُ الطَّيِّبِ بِالْخَبِيثِ.
قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ: سُقُوطُ التَّلْوِينِ.
التَّلْوِينُ هُوَ التَّرَدُّدُ وَالتَّذَبْذُبُ، كَمَا قِيلَ:
كُلَّ يَوْمٍ تَتَلَوَّنُ ... تَرْكُ هَذَا بِكَ أَجْمَلُ
قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: صَفَاءُ عِلْمٍ يُهَذِّبُ لِسُلُوكِ الطَّرِيقِ. وَيُبَصِّرُ غَايَةَ الْجِدِّ. وَيُصَحِّحُ هِمَّةَ الْقَاصِدِ.
ذَكَرَ الشَّيْخُ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ ثَلَاثَ فَوَائِدَ.
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: عِلْمٌ يُهَذِّبُ لِسُلُوكِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا الْعِلْمُ الصَّافِي - الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ - هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَانَ الْجُنَيْدُ يَقُولُ دَائِمًا: عِلْمُنَا هَذَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَمَنْ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ، وَيَكْتُبِ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَتَفَقَّهْ: لَا يُقْتَدَى بِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْعَارِفِينَ: كُلُّ حَقِيقَةٍ لَا تَتْبَعُهَا شَرِيعَةٌ فَهِيَ كُفْرٌ.