أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءِ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ سيئاً فهو عند الله سيء)) (?) .

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّاوِي لِهَذَا الْأَثَرِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ رأى أصحاب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا أَنْ يَسْتَخْلِفُوا أَبَا بَكْرٍ.

فقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، كَلَامٌ جَامِعٌ بَيَّنَ فِيهِ حُسْنَ قَصْدِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، بِبِرِّ الْقُلُوبِ وَبَيَّنَ فِيهِ كَمَالَ الْمَعْرِفَةِ وَدِقَّتَهَا بِعُمْقِ الْعِلْمِ، وَبَيَّنَ فِيهِ تَيَسُّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَامْتِنَاعَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ، بِقِلَّةِ التَّكَلُّفِ وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ هَذَا الْمُفْتَرِي الَّذِي وَصَفَ أَكْثَرَهُمْ بِطَلَبِ الدُّنْيَا، وَبَعْضَهُمْ بِالْجَهْلِ، إِمَّا عَجْزًا وَإِمَّا تَفْرِيطًا وَالَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَقٌّ فَإِنَّهُمْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَمَا تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ الأحاديث عن النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: ((خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)) (?) . وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ الْوَسَطُ الشُّهَدَاءُ على

الناس، الذين هداهم الله لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، فَلَيْسُوا من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَلَا مِنَ الضَّالِّينَ الْجَاهِلِينَ، كَمَا قَسَّمَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ، إِلَى ضُلَّالٍ وَغُوَاةٍ، بَلْ لَهُمْ كَمَالُ الْعِلْمِ، وَكَمَالُ القصد.

إذ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرَ الْأُمَمِ، وَأَنْ لَا يَكُونُوا خَيْرَ الْأُمَّةِ وَكِلَاهُمَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَيْضًا فَالِاعْتِبَارُ الْعَقْلِيُّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ من تأمل أمة محمد صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ، تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ فَضِيلَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ بَسْطِهِ.

وَالصَّحَابَةُ أَكْمَلُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ بِدَلَالَةِ الكتاب والستة وَالْإِجْمَاعِ، وَالِاعْتِبَارِ وَلِهَذَا لَا تَجِدُ أَحَدًا مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ إِلَّا وَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِفَضْلِ الصَّحَابَةِ عليه، وعلى أمثاله، وتجد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015