قيل المنافقون لم كونوا مُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ الرَّسُولِ والمؤمنين ولم يكونوا منهم، كما قال الله تَعَالَى: {َفعسى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِم نَادِمِين، وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنوا أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبطت أَعْمَالُهُم فَاَصْبَحُوا خَاسِرِين} (?) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذوى فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابَ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولن إِنَّا مَعَكُم أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَم بِمَا فِي صُدُور العَالَمِين وَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُم وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِين} (?) .
فأخبرأن الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الكتاب.
هؤلاء لا يجدون فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِسْلَامِ، أَكْثَرَ مِنْهُمْ في الرافضة، ومن انطوى إليهم. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا من الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَالَّذِينَ كَانُوا مُنَافِقِينَ مِنْهُمْ من تاب عن نفاقه وانتهى عنه، وهم الْغَالِبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {َلئنْ لَمْ يَنْتَهِ المْنُافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالْمُرْجَفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ِلنُغْرِيَنَّكَ بِهِم ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلاَّ قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (?) .
فَلَمَّا لَمْ يُغْرِهِ اللَّهُ بِهِمْ، وَلَمْ يُقَتِّلْهُمْ تقتيلا، بل كانوا يجاورونه بالمدينة فدل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمُ انْتَهَوْا، وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بالحديبية كلهم بايعوه تَحْتَ الشَّجَرَةِ، إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ فَإِنَّهُ اختبأ خلف جمل أحمر.
وكذا حاء فِي الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا صَاحِبَ الجمل الأحمر، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا مَغْمُورِينَ مقهورين، أذلاء، لا سيما في آخر أيام الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {َيقولون لَئِنْ رَجعنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيَخْرُجَنَّ الأَعَزَّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلله العِزَّةُ َلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِين وِلَكِن الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُون} (?) .
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِزَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَا لِلْمُنَافِقِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِزَّةَ وَالْقُوَّةَ كَانَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ المنافقين كانوا أذلاء بينهم.
فيمتنع أن تكون الصَّحَابَةُ الَّذِينَ كَانُوا أَعَزَّ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، بل ذلك يقتضى أن