وهذا يستدل به على وجهين: عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْلَفِينَ مُؤْمِنُونَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، لِأَنَّ الْوَعْدَ لَهُمْ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ان هؤلاء مغفور لهم، ولهم أجر عَظِيمٌ، لِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فَتَنَاوَلَتْهُمُ الْآيَتَانِ - آية النور وآية الفتح.
من الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ النُّعُوتَ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى الصَّحَابَةِ عَلَى زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّهُ إِذْ ذَاكَ حَصَلَ الِاسْتِخْلَافُ، وَتَمَكَّنَ الدِّينُ وَالْأَمْنُ، بَعْدَ الْخَوْفِ لَمَّا قَهَرُوا فَارِسَ وَالرُّومَ وَفَتَحُوا الشَّامَ وَالْعِرَاقَ، وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ، وَإِفْرِيقِيَّةَ.
وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَحَصَلَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَفْتَحُوا شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ، بَلْ طَمِعَ فِيهِمُ الْكُفَّارُ بِالشَّامِ وخراسان، وكان بعضهم يخاف بعضاً.
وحينئذ قد دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى إِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي زَمَنِ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ، وَالَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ
الِاسْتِخْلَافِ والتمكين والأمن أدركوا زمن الفتنة كعلي وطلحة وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، دَخَلُوا فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُمُ اسْتُخْلِفُوا وَمُكِّنُوا، وَأَمِنُوا.
وَأَمَّا مَنْ حَدَثَ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ كَالرَّافِضَةِ الَّذِينَ حَدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ، فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ وَالِافْتِرَاقِ، وَكَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ، فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمُ النَّصُّ، فَلَمْ يَدْخُلُوا فِيمَنْ وُصِفَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُمْ أَوَّلًا لَيْسُوا مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا.
وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ بَعْدَ الْخَوْفِ مَا حَصَلَ لِلصَّحَابَةِ، بَلْ لَا يَزَالُونَ خَائِفِينَ مُقَلْقَلِينَ غير ممكنين.
فإن قيل لما قَالَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ منهم وَلَمْ يَقُلْ وَعَدَهُمْ كُلَّهُمْ. قِيلَ كَمَا قَالَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ وَعَدَكُمْ.
وَ"مِنْ" تَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ فَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْمَجْرُورِ بِهَا شَيْءٌ خَارِجٌ، عَنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {َفاجتنبوْا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَان} (?) فإنه لا