وَلَمْ يُعرف قَطُّ أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ، وَقَدْ عَاشَ أَبُو قُحَافَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، وَوَرِثَ السُّدُسَ، فردَّه على أولاده لِغِنَاه عنه.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُعَلِّمًا لِلصِّبْيَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

فَهَذَا: مِنَ الْمَنْقُولِ الَّذِي لَوْ كَانَ صِدْقًا لَمْ يَقْدَحْ فِيهِ، بَلْ يَدُلُّ على أنه كان عنده علم ومعرفة.

وَلَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِضَةِ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاهِلِيَّةِ، يَتَعَصَّبُونَ لِلنَّسَبِ وَالْآبَاءِ، لَا لِلدِّينِ، وَيَعِيبُونَ الإنسان بما لا ينقص إِيمَانَهُ وَتَقْوَاهُ. وَكُلُّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ ظَاهِرَةً عَلَيْهِمْ، فَهُمْ يُشْبِهُونَ الْكُفَّارَ مِنْ وُجُوهٍ خَالَفُوا بِهَا أَهْلَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ.

وَقَوْلُهُ: ((إِنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ خَيَّاطًا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ)) .

كَذِبٌ ظَاهِرٌ، يَعْرِفُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ لو كَانَ حَقًّا؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ خيَّاطا، وَإِنَّمَا كَانَ تَاجِرًا، تَارَةً يُسَافِرُ فِي تِجَارَتِهِ، وَتَارَةً لَا يُسَافِرُ. وَقَدْ سَافَرَ إِلَى الشَّامِ فِي تِجَارَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ. وَالتِّجَارَةُ كَانَتْ أَفْضَلُ مَكَاسِبِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ خِيَارُ أَهْلِ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ أَهْلَ التِّجَارَةِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُمْ بِالتِّجَارَةِ. وَلَمَّا وُلِّيَ أَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ لِعِيَالِهِ، فَمَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: هَذَا يَشْغَلُكَ عَنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ: ((كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ إِنْفَاقَ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ نَفَقَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَغْنَى رَسُولَهُ عَنْ مَالِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، بَلْ كَانَ مَعُونَةً لَهُ عَلَى إِقَامَةِ الْإِيمَانِ، فَكَانَ إِنْفَاقُهُ فِيمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، لَا نَفَقَةً عَلَى نَفْسِ الرَّسُولِ، فَاشْتَرَى المعذَّبين، مِثْلَ بِلَالٍ، وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، وَزُنَيْرَةَ، وَجَمَاعَةً.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ: ((وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ)) .

فَهَذَا. كَذِبٌ ظَاهِرٌ، بَلْ كَانَ يُعِينُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَالِهِ، وَقَدْ حَثَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَأَصْحَابُ الصُّفة كَانُوا فُقَرَاءَ، فَحَثَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - على طُعْمَتِهِمْ، فَذَهَبَ بِثَلَاثَةٍ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: إِنَّ أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015