فَيُقَالُ: مِنَ الْعَجَائِبِ وَأَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَخْذُولِينَ أَنْ يُثْبِتُوا مِثْلَ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ، بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَعْتَمِدُونَ عليها، لا هو فِي الصِّحَاحِ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ وَلَا الْفَوَائِدِ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَنَاقَلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَيَتَدَاوَلُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَلَا هُوَ عِنْدَهُمْ لَا صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَلَا ضَعِيفٌ، بَلْ هُوَ أَخَسُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَظْهَرِ الْمَوْضُوعَاتِ كَذِبًا، فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أنه جعل الطائفتين مُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ جَعَلَ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ خَيْرًا مِنَ الْقِتَالِ فِيهَا، وَأَنَّهُ أَثْنَى على من أصلح به بين الطائفتين.
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَا فَضْلَ فِيهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُنْسُهُ بِاللَّهِ مُغْنِيًا لَهُ عَنْ كُلِّ أَنِيسٍ، لَكِنْ لَمَّا عَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَمْرَهُ لِأَبِي بَكْرٍ بِالْقِتَالِ يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْحَالِ، حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مِرَارٍ فِي غَزَوَاتِهِ، وَأَيُّمَا أَفْضَلُ: الْقَاعِدُ عَنِ الْقِتَالِ، أَوِ الْمُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟)) .
الْجَوَابُ: أَنْ يُقال: لِهَذَا الْمُفْتَرِي الْكَذَّابِ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ أظهر الباطل من وجوه.
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: ((هَرَبَ عِدَّةَ مِرَارٍ فِي غَزَوَاتِهِ)) . يُقَالُ لَهُ: هَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَائِلَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْوَالِهِ، وَالْجَهْلُ بِذَلِكَ غَيْرُ مُنْكَرٍ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ، وَأَعْظَمِهِمْ تَصْدِيقًا بِالْكَذِبِ فِيهَا، وَتَكْذِيبًا بِالصِّدْقِ مِنْهَا.
وَذَلِكَ أَنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ هِيَ أَوَّلُ مَغَازِي الْقِتَالِ، لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ غَزَاةٌ مَعَ الْكُفَّارِ أَصْلًا.
الثَّانِي: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَهْرَبْ قَطُّ، حَتَّى يَوْمَ أُحد لَمْ ينهزم لا هو ولا عمر، وإنما عثمان تولّى، وكان من عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إِنَّهُمَا انْهَزَمَا مَعَ مَنِ انْهَزَمَ، بَلْ ثَبَتَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنين، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ السِّيرَةِ، لَكِنَّ بَعْضَ الْكَذَّابِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمَا أَخَذَا
الرَّايَةَ يَوْمَ حُنين، فَرَجَعَا وَلَمْ يُفتح عَلَيْهِمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِي الكذب