فَهَلْ يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٌ مَنْ عَقْلٍ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الْمُوَالَاةِ وَالْمَحَبَّةِ لِلرَّسُولِ وَلِمَا جَاءَ بِهِ وَأَنَّ مُوَالَاتَهُ وَمَحَبَّتَهُ بَلَغَتْ بِهِ إِلَى أَنْ يُعَادِيَ قَوْمَهُ، وَيَصْبِرَ عَلَى أَذَاهُمْ، وَيُنْفِقَ أَمْوَالَهُ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ من إخوانه المؤمنين.
وَلَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذًى قَطُّ مِنْ أَبَى بَكْرٍ مَعَ خَلْوَتِهِ بِهِ وَاجْتِمَاعِهِ بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَتَمَكُّنِهِ مِمَّا يُرِيدُ الْمُخَادِعُ مِنْ إِطْعَامِ سُمٍّ، أَوْ قتل أو غير ذلك.
وَأَيْضًا فَكَانَ حِفْظُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَحِمَايَتُهُ لَهُ يوجب أن يطلعه على ضميره السيئ، لَوْ كَانَ مُضْمِرًا لَهُ سُوءًا، وَهُوَ قَدْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي نَفْسِ أَبِي عَزَّةَ لَمَّا جَاءَ مُظْهِرًا لِلْإِيمَانِ بِنِيَّةِ الْفَتْكِ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي قَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ أطلعه عَلَى مَا فِي نَفْسِ عُمير بْنِ وَهْبٍ لَمَّا جَاءَ مِنْ مَكَّةَ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ يُرِيدُ الْفَتْكَ بِهِ، وَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحُلُّوا حِزَامَ نَاقَتِهِ.
وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ دَائِمًا لَيْلًا وَنَهَارًا، حَضَرًا وَسَفَرًا، فِي خَلْوَتِهِ وَظُهُورِهِ. وَيَوْمَ بَدْرٍ يَكُونُ مَعَهُ وَحْدَهُ فِي الْعَرِيشِ، وَيَكُونُ فِي قلبه ضمير سيئ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْلَمُ ضمير ذلك قط، ومن له أدنى نَوْعُ فِطْنَةٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي أَقَلِّ مِنْ هَذَا الِاجْتِمَاعِ، فَهَلْ يَظُن ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصدِّيقه إِلَّا مَنْ هُوَ - مَعَ فَرْطِ جَهْلِهِ وَكَمَالِ نَقْصِ عَقْلِهِ - مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَنَقُّصًا لِلرَّسُولِ، وَطَعْنًا فِيهِ، وَقَدْحًا في معرفته؟ ّ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْجَاهِلُ - مَعَ ذَلِكَ - مُحِبًّا للرسول، فَمَنْ لَهُ أَدْنَى خِبْرَةٍ بِدِينِ الْإِسْلَامِ يَعْلَمُ أن مذهب الرافضة مناقض له (?) .
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: إِنَّ الْقُرْآنَ حَيْثُ ذَكَرَ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَكَ مَعَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا نَقْصَ أَعْظَمُ مِنْهُ.
فَالْجَوَابُ: أَوَّلًا: أَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ ذَكَر ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إِلَّا فِي قِصَّةِ حُنين.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: { (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضَ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى