وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ بَايَعُوا عُثْمَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَفِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِي إِمَامَتِهِ اثْنَانِ، وَلَا تَخَلَّفَ عَنْهَا أَحَدٌ. وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. إِنَّهَا كَانَتْ أَوْكَدَ مِنْ غَيْرِهَا بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَتَلُوهُ فَنَفَرٌ قَلِيلٌ. قَالَ ابْنُ الزبَيْر يَعِيبُ قَتَلَةُ عُثْمَانَ: ((خَرَجُوا عَلَيْهِ كَاللُّصُوصِ مِنْ وَرَاءِ الْقَرْيَةِ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ كُلَّ قَتْلَةٍ، وَنَجَا مَنْ نَجَا مِنْهُمْ تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ)) يَعْنِي هَرَبُوا ليلا.
الثَّانِي: أَنْ يُقال: الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى عَلِيٍّ وَقَاتَلُوهُ أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ وَقَتَلُوهُ؛ فَإِنَّ عَلِيًّا قَاتَلَهُ بِقَدْرِ الَّذِينَ قتلوا عثمان أضعافاً مضاعفة، وقطعة كبيرةٌ مِنْ عَسْكَرِهِ: خَرَجُوا عَلَيْهِ وَكَفَّرُوهُ، وَقَالُوا: أَنْتَ ارْتَدَدْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ، لَا نَرْجِعُ إِلَى طَاعَتِكَ حتى تعود إلى الإسلام.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقال: قَدْ عُلم بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ أَحَدٌ، مَعَ أَنَّ بَيْعَةَ الصدِّيق تخلَّف عَنْهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَاتَ وَلَمْ يُبَايِعْهُ وَلَا بَايَعَ عُمَرَ، وَمَاتَ فِي خلافة عُمَرَ. وَلَمْ يَكُنْ
تَخَلُّفُ سَعْدٍ عَنْهَا قَادِحًا فِيهَا، لِأَنَّ سَعْدًا لَمْ يَقْدَحْ فِي الصِّدِّيقِ، وَلَا فِي أَنَّهُ أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ، بَلْ كَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، لَكِنْ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ)) (?) فَكَانَ مَا ظَنَّهُ سَعْدٌ خَطَأً مُخَالِفًا لِلنَّصِّ الْمَعْلُومِ. فعُلم أَنَّ تَخَلُّفَهُ خطأٌ بِالنَّصِّ، وَإِذَا عُلِمَ الْخَطَأُ بِالنَّصِّ لَمْ يُحتج فِيهِ إِلَى الْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا بَيْعَةُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا أَحَدٌ، مَعَ كَثْرَةِ المسلمين وانتشارهم. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَمِنْ حِينِ تَوَلَّى تَخَلَّفَ عَنْ بَيعته قريبٌ مِنْ نِصْفِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السَّابِقِينَ الأوَّلين، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ قَعَدَ عَنْهُ فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ وَلَا قَاتَلَهُ، مِثْلُ أُسامة بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سلمة، وَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُ.
ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ بايعوه ورجعوا عَنْهُ: مِنْهُمْ مَنْ كَفَّرَهُ وَاسْتَحَلَّ دَمَهُ، وَمِنْهُمْ من ذهب