وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ تَكْمِيلُ الرَّعِيَّةِ، فَكَيْفَ يُطلب مِنْهُمُ الْكَمَالَ؟)) .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي)) يَعْنِي عِنْدَ الْغَضَبِ ((فَإِذَا اعْتَرَانِي فَاجْتَنِبُونِي لَا أُؤَثِّرُ فِي أَبْشَارِكُمْ)) . وقال: ((أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي
عَلَيْكُمْ)) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُمدح بِهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إن شاء الله تعالى.
الثَّانِي: أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي يَعْتَرِيهِ قَدْ فُسِّر بِأَنَّهُ يَعْرِضُ لِابْنِ آدَمَ عِنْدَ الْغَضَبِ، فَخَافَ عِنْدَ الْغَضَبِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى أحدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ، فَأَمَرَهُمْ بِمُجَانَبَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)) (?) فَنَهَى عَنِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَرَادَ أَنْ لَا يَحْكُمَ وَقْتَ الْغَضَبِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَطْلُبُوا مِنْهُ حُكْمًا، أَوْ يَحْمِلوه على حكمٍ في هذه الْحَالِ. وَهَذَا مِنْ طَاعَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقال: الْغَضَبُ يَعْتَرِي بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ، حتى قال سيد ولد آدم: ((اللهم أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ: أَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُه أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كفّارة وقربة تقربه بها إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبي هريرة (?) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَإِنَ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي)) فَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَدْلِهِ وَتَقْوَاهُ، وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ إِمَامٍ أَنْ يُقتدى بِهِ فِي ذَلِكَ، وَوَاجِبٌ عَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ تُعَامِلَ الْأَئِمَّةَ بِذَلِكَ. فَإِنِ اسْتَقَامَ الْإِمَامُ أَعَانُوهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ زَاغَ وَأَخْطَأَ بَيَّنُوا لَهُ الصَّوَابَ وَدَلُّوهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ظُلْمًا مَنَعُوهُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَادًا لِلْحَقِّ، كَأَبِي بَكْرٍ فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ الظُّلْمِ إِلَّا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْهُ، لَمْ يدفعوا الشر القليل بالشر الكثير.