وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَبِيتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَوْفٌ عَلَى عليّ أصلاً.
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَفِي غَزَاةِ بَدْرٍ، وَهِيَ أَوَّلُ الْغَزَوَاتِ، كَانَتْ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَعُمْرُهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، قَتَلَ
مِنْهُمْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا بِانْفِرَادِهِ، وَهُمْ أَعْظَمُ مِنْ نِصْفِ الْمَقْتُولِينَ، وشَرَك فِي الْبَاقِينَ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ البيِّن الْمُفْتَرَى بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، الْعَالِمِينَ بِالسِّيَرِ وَالْمَغَازِي. وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا أحدٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ وَضْعِ جهَّال الكذَّابين.
وَغَايَةُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَقَبْلَهُ مُوسَى بن عقبة، وكذلك الأموي، جَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، واختُلف فِي سِتَّةِ أَنْفُسٍ، هَلْ قَتَلَهُمْ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، وَشَارَكَ فِي ثَلَاثَةٍ. هَذَا جَمِيعُ مَا نقله هؤلاء الصادقون.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَفِي غَزاة أُحد لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفرٌ يَسِيرٌ، أَوَّلُهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَجَاءَ عُثْمَانُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ ذَهَبَتْ فِيهَا عَرِيضَةٌ. وَتَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ شَأْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ.
لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَا رِ وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيُّ
وَقَتَلَ أَكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ، وَكَانَ الْفَتْحُ فِيهَا عَلَى يَدِهِ. وَرَوَى قَيْسُ بْنُ سعد قال: سمعت عليّا يقول: أصابني يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ ضَرْبَةً، سَقَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ فِي أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ، فَجَاءَنِي رجلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ اللَّمة طَيِّبُ الرِّيحِ، فَأَخَذَ بِضَبْعَيَّ، فَأَقَامَنِي، ثُمَّ قَالَ: أَقْبِلْ عَلَيْهِمْ فَقَاتِلْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فَهُمَا عَنْكَ رَاضِيَانِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَمَا تَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ شَبَّهْتُهُ بدِحْيَة الْكَلْبِيِّ. فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَيْكَ، كَانَ ذاك جبريل)) .