وَإِنْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (?) ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَبَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ طُرُقِهِ مَوْضُوعَةٌ، وَالْكَذِبُ يُعْرَفُ مِنْ نَفْسِ مَتْنِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ مَدِينَةَ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لها إلا باب وَاحِدٌ، فَسَدَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ
عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُونَ أَهْلَ التَّوَاتُرِ، الَّذِينَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ للغائب.
وَإِذَا قَالُوا: ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمَعْصُومُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ.
قِيلَ لَهُمْ: فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِعِصْمَتِهِ أَوَّلًا. وَعِصْمَتُهُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِ قبل أن يُعلم عصمته، فإنه دَوْر، ولاتثبت بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهَا. وَعِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً، لِأَنَّ فِيهِمُ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى إِثْبَاتِ عِصْمَتِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فعُلم أَنَّ عِصْمَتَهُ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَا بُدَّ أَنْ تُعلم بِطَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ خَبَرِهِ.
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَدِينَةِ الْعِلْمِ بَابٌ إِلَّا هُوَ، لَمْ يَثْبُتْ لَا عِصْمَتُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، فعُلم أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا افْتَرَاهُ زِنْدِيقٌ جَاهِلٌ ظَنَّهُ مَدْحًا، وَهُوَ مَطْرَقُ الزَّنَادِقَةِ إِلَى الْقَدْحِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؛ إِذْ لَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَّا وَاحِدٌ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ بَلَغَهم الْعِلْمُ عَنِ الرَّسُولِ من غير عليّ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} .
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ لَا تَعِيَهَا إِلَّا أُذن وَاعِيَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْآذَانِ، وَلَا أُذن شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْعُ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ أُذن واعية.