الْعِلْمِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ.
وَسُورَةُ ((هَلْ أَتَى)) مكيّة باتفاق أهل التفسير والنقل، لم ينقل أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. وَهِيَ عَلَى طَرِيقَةِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ فِي تَقْرِيرِ أُصُولِ الدِّينِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَذِكْرِ الخلق والبعث.
وَإِذَا كَانَتِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ، تَبَيَّنَ أَنَّ نَقْلَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ مَرَضِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْمَيْنِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ سِيَاقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ مِنْ وَضْعِ جُهَّالِ الْكَذَّابِينَ. فَمِنْهُ قَوْلُهُ: ((فَعَادَهُمَا جَدُّهُمَا وَعَامَّةُ الْعَرَبِ)) فَإِنَّ عَامَّةَ الْعَرَبِ لَمْ يَكُونُوا بِالْمَدِينَةِ، وَالْعَرَبُ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَأْتُونَهُمَا يَعُودُونَهُمَا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ((فَقَالُوا: يَا أَبَا الْحَسَنِ لَوْ نَذَرْتَ عَلَى وَلَدَيْكَ)) . وَعَلِيٌّ لَا يَأْخُذُ الدِّينَ مِنْ أُولَئِكَ الْعَرَبِ، بَلْ يَأْخُذُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا بِطَاعَةٍ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ يأمره من أولئك العرب، وإن لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ يَفْعَلُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ. ثُمَّ كَيْفَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ؟!
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ ((إِنَّهُ لَا يَأْتِي بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل)) (?) .
فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَسَائِرُ أَهْلِهِمَا لَمْ يَعْلَمُوا مِثْلَ هَذَا، وَعَلِمَهُ عُمُومُ الْأُمَّةِ فَهَذَا قَدْحٌ فِي عِلْمِهِمْ، فَأَيْنَ المدِّعى لِلْعِصْمَةِ؟
وَإِنْ كَانُوا عَلِمُوا ذَلِكَ، وَفَعَلُوا مَا لَا طَاعَةَ فيه لله ولرسوله، ولا فائدة لهم فِيهِ، بَلْ قَدْ نُهيا عَنْهُ: إِمَّا نَهْيَ تحريم، وإما نهي تنزيه - كَانَ هَذَا قَدْحًا إِمَّا فِي دِينِهِمْ وَإِمَّا في عقلهم وعلمهم.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا جَارِيَةٌ اسْمُهَا فِضَّةٌ، بَلْ وَلَا لأحدٍ مِنْ أَقَارِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولا نعرف أنه بِالْمَدِينَةِ جَارِيَةٌ اسْمُهَا فِضَّةٌ، وَلَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، الَّذِينَ ذَكَرُوا أَحْوَالَهُمْ: دقها وجلها.