(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: الْبُرْهَانُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} (?) . رَوَى أَبُو نُعيم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هذه الآية: سابق هذه الأمة عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. رَوَى الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قَالَ: سَبَقَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى مُوسَى، وَسَبَقَ مُوسَى إِلَى هَارُونَ، وَسَبَقَ صَاحِبُ يَس إِلَى عِيسَى، وَسَبَقَ عَلِيٌّ إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ)) .

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ كَثِيرٌ فِيمَا يَرْوِيهِ هَذَا وَهَذَا.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ حُجَّةً إِذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَقْوَى منه.

الثالث: أن الله تعالى يَقُولُ: {وَالسَّابِقُونَ اْلأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَاْلأَنْصَار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا اْلأَنْهَارُ} (?) . وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِاْلخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (?) .

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ هُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ. وَدَخَلَ فِيهِمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَكَيْفَ يُقال: إِنَّ سَابِقَ هَذِهِ الْأُمَّةِ واحدٌ؟!

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: ((وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ)) مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، فَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ، فَهُوَ أَسْبَقُ إِسْلَامًا مِنْ عَلِيٍّ. وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ قَبْلَهُ. لَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ صَغِيرًا، وَإِسْلَامُ الصَّبِيِّ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي بَكْرٍ

أَكْمَلُ وَأَنْفَعُ، فَيَكُونُ هُوَ أَكْمَلَ سَبْقًا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَسْبَقَ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. فَكَيْفَ يُقال: عليٌّ أَسْبَقُ مِنْهُ بِلَا حُجَّةٍ تدل على ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015