فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - سأل الله أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِشَخْصٍ مِنَ النَّاسِ، كَمَا سَأَلَ مُوسَى أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِهَارُونَ، فَقَدِ افْتَرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَخَسَهُ حقَّه. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّفْضَ مُشْتَقٌّ مِنَ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ وَالنِّفَاقِ، لَكِنْ تَارَةً يَظْهَرُ لَهُمْ ذَلِكَ فِيهِ وَتَارَةً يَخْفَى.
الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنْ يُقال: غَايَةُ مَا فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ مُوَالَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَيُوَالُونَ عَلِيًّا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُوَالَاةَ عَلِيٍّ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، كَمَا يَجِبُ على كل مؤمن موالاة أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ (} (?) . فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ صالحٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاللَّهُ مَوْلَاهُ، وَجِبْرِيلُ مَوْلَاهُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ مَنْ كَانَ وَلِيًّا لِلْآخَرِ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ.
الْوَجْهُ السادس عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْوِلَايَةَ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ لَقَالَ: ((إِنَّمَا يَتَوَلَّى عَلَيْكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)) ، وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ يَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ وَلِيَ عَلَيْهِمْ والٍ: إنهم تولوه. بل يقال: تولى عليهم.
الوجه السابع عشر: أن الله سبحانه لَا يُوصف بِأَنَّهُ متولٍ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، فَإِنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَرَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَا يُقال: إِنَّ اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يسمَّى الْمُتَوَلِّي، مِثْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا لَا يُقال إِنَّهُ متولٍّ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ قَدْرَهُ أَجَلُّ مِنْ هَذَا. بل