مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَعْرِفُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، كَمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ أَمْرَ آبَائِهِ وَنَهْيَهُمْ، وَالْمَقْصُودُ بِالْإِمَامِ إِنَّمَا هُوَ طَاعَةُ أَمْرِهِ، فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِأَمْرِهِ مُمْتَنِعًا كَانَتْ طَاعَتُهُ مُمْتَنِعَةً، فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ مُمْتَنِعًا، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ مُمْتَنِعًا لَمْ يَكُنْ فِي إِثْبَاتِ الْوَسِيلَةِ فَائِدَةٌ أَصْلًا، بَلْ كَانَ إِثْبَاتُ الْوَسِيلَةِ الَّتِي لَا يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُهَا مِنْ بَابِ السَّفَهِ وَالْعَبَثِ وَالْعَذَابِ الْقَبِيحِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَبِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ الْقَائِلِينَ بِتَحْسِينِ الْعُقُولِ وَتَقْبِيحِهَا، بَلْ بِاتِّفَاقِ العقلاء مطلقا، فإنهم إذا فسروا القبيح بِمَا يَضُرُّ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الضَّارِّ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ.
وَالْإِيمَانُ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بَلْ مَضَرَّةٌ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ وَالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَبِيحٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَلِهَذَا كَانَ الْمُتَّبِعُونَ لَهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، لَا تَنْتَظِمُ لَهُمْ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَلَا دُنْيَاهُمْ، إِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي طَاعَةِ غَيْرِهِمْ. كَالْيَهُودِ الَّذِينَ لَا تَنْتَظِمُ لَهُمْ مَصْلَحَةٌ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي طَاعَةِ مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ دِينِهِمْ.
فَهُمْ يُوجِبُونَ وُجُودَ الْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ الْمَعْصُومِ، لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِهِ عِنْدَهُمْ، وَهُمْ لم يحصل لهم بهذا الْمُنْتَظَرِ مَصْلَحَةٌ فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِهِ لَمْ تَفُتْهُمْ مَصْلَحَةٌ فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا، بَلْ كَانُوا أَقْوَمَ بِمَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ أَتْبَاعِهِ.
فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْإِمَامَةِ لَا يُنَالُ بِهِ إِلَّا مَا يُورِثُ الْخِزْيَ وَالنَّدَامَةَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ أَعْظَمَ مَطَالِبِ الدِّينِ فَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدَى، فِي أَعْظَمِ مَطَالِبِ الدِّينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مَطَالِبِ الدِّينِ ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ ذَلِكَ. فَثَبَتَ بُطْلَانُ قولهم على التقديرين، وهو المطلوب.
فَإِنْ قَالَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ: إِيمَانُنَا بِهَذَا الْمُنْتَظَرِ الْمَعْصُومِ مِثْلُ إِيمَانِ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِ الزُّهْدِ والدين بالياس والخضر والغوث والقطب، ورجال الْغَيْبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ لَا يعرفون وجودهم، ولا بماذا يأمرون، ولا عن ماذا يَنْهَوْنَ، فَكَيْفَ يُسَوَّغُ لِمَنْ يُوَافِقُ هَؤُلَاءِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْنَا مَا نَدَّعِيهِ؟ قِيلَ الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
(أَحَدُهَا) : أَنَّ الْإِيمَانَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ لَيْسَ وَاجِبًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَطَوَائِفِهِمُ المعروفين، وإن كَانَ بَعْضُ الْغُلَاةِ يُوجِبُ عَلَى أَصْحَابِهِ الْإِيمَانَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ، وَيَقُولُ إِنَّهُ لَا