الْعَقْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَ إِمَامًا مَعْصُومًا؟
وَهُوَ إِنَّمَا يَخْلُقُهُ لِيَحْصُلَ بِهِ مَصَالِحُ عِبَادِهِ، وَقَدْ خَلَقَهُ عَاجِزًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تِلْكَ الْمَصَالِحِ، بَلْ حَصَلَ بِهِ مِنَ الفساد ما لم يحصل إلا بوجوده.
وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْوَجْهِ الرَّابِعِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ هَذَا الْمَعْصُومُ، لَمْ يَكُنْ يَجْرِي فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّرِّ أَكْثَرُ مِمَّا جَرَى، إذا كَانَ وُجُودُهُ لَمْ يَدْفَعْ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ، حَتَّى يُقال: وُجُودُهُ دَفَعَ كَذَا. بَلْ وُجُودُهُ أَوْجَبَ أَنْ كذَّب بِهِ الْجُمْهُورُ، وَعَادَوْا شِيعَتَهُ، وَظَلَمُوهُ وَظَلَمُوا أَصْحَابَهُ، وَحَصَلَ مِنَ الشُّرُورِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا.
فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْصُومًا، وَلَا بَقِيَّةُ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَنَحْوِهُمْ، لَا يَكُونُ مَا وَقَعَ مِنْ تَوْلِيَةِ الثَّلَاثَةِ، وَبَنِي أُمَيَّةَ، وَبَنِي الْعَبَّاسِ، فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالشَّرِّ مَا فِيهِ، بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ أَئِمَّةً مَعْصُومِينَ. وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ مَعْصُومِينَ فَمَا أَزَالُوا مِنَ الشَّرِّ إِلَّا مَا يُزِيلُهُ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَصَارَ كَوْنُهُمْ مَعْصُومِينَ إِنَّمَا حَصَلَ بِهِ الشَّرُّ لَا الْخَيْرُ.
فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَى الْحَكِيمِ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لِيَحْصُلَ بِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إِلَّا الشَّرُّ لَا الْخَيْرُ؟
وَإِذَا قِيلَ: هَذَا الشَّرُّ حَصَلَ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ لَهُ.
قِيلَ: فَالْحَكِيمُ الَّذِي خَلَقَهُ إِذَا كَانَ خَلَقَهُ لِدَفْعِ ظُلْمِهِمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا خَلَقَهُ زَادَ ظُلْمُهُمْ، لَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ حِكْمَةً بَلْ سَفَهًا، وَصَارَ هَذَا كَتَسْلِيمِ إنسانٍ ولدَه إِلَى مَنْ يَأْمُرُهُ بِإِصْلَاحِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُ بَلْ يُفْسِدُهُ. فَهَلْ يَفْعَلُ هذا حكيم؟
الوجه الخامس: إذا كان الإنسان مدينا بالطبع، وإنما وجب نصب الْمَعْصُومِ لِيُزِيلَ الظُّلْمَ وَالشَّرَّ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَهَلْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَعْصُومٌ يَدْفَعُ ظُلْمَ النَّاسِ أَمْ لَا؟
فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ، كَانَ هَذَا مُكَابَرَةً ظَاهِرَةً. فَهَلْ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مَعْصُومٌ؟ وَهَلْ كَانَ فِي الشَّامِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ مَعْصُومٌ؟
وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ نَقُولُ: هُوَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وَاحِدٌ، وَلَهُ نُوَّابٌ فِي سَائِرِ الْمَدَائِنِ.
قِيلَ: فَكُلُّ مَعْصُومٍ لَهُ نُوَّابٌ فِي جَمِيعِ مَدَائِنِ الْأَرْضِ أَمْ فِي بَعْضِهَا؟