وَهَؤُلَاءِ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ لَا يُوجَدُونَ مُسْتَعِينِينَ فِي أُمُورِهِمْ إِلَّا بِغَيْرِهِ، بَلْ هُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْمَعْصُومِ، وَإِنَّمَا يَسْتَعِينُونَ بِكَفُورٍ أَوْ ظَلُومٍ. فَإِذَا كَانَ المصدِّقون لِهَذَا الْمَعْصُومِ الْمُنْتَظَرِ لم ينتفع به أحد مِنْهُمْ لَا فِي دِينِهِ وَلَا فِي دُنْيَاهُ، لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ.

وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى إِثْبَاتِ الْوَسِيلَةِ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَا تُراد إِلَّا لِمَقَاصِدِهَا. فَإِذَا جَزَمْنَا بِانْتِفَاءِ الْمَقَاصِدِ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْوَسِيلَةِ مِنَ السَّعْيِ الْفَاسِدِ، وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ صِفَتُهُ كَذَا،

وَالشَّرَابُ صِفَتُهُ كَذَا، وَهَذَا عِنْدَ الطَّائِفَةِ الْفُلَانِيَّةِ، وَتِلْكَ الطَّائِفَةُ قَدْ عُلم أَنَّهَا مِنْ أَفْقَرِ النَّاسِ، وَأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْإِفْلَاسِ.

وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي طَلَبِ مَا يُعلم عَدَمُهُ، وَاتِّبَاعِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا؟ وَالْإِمَامُ يُحتاج إِلَيْهِ فِي شَيْئَيْنِ. إِمَّا فِي الْعِلْمِ لِتَبْلِيغِهِ وَتَعْلِيمِهِ، وَإِمَّا في العمل به ليعين الناس عل ذلك بقوته وسلطانه.

وهذا المنتظر لا ينتفع لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا. بَلْ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ مَنْ قَبْله، وَمِنَ الْعَمَلِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ اسْتَعَانُوا بِهِمْ، وَإِلَّا اسْتَعَانُوا بِالْكُفَّارِ وَالْمَلَاحِدَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَهُمْ أَعْجَزُ النَّاسِ فِي الْعَمَلِ، وَأَجْهَلُ الناس في العلم، مع دعوهم ائْتِمَامَهُمْ بِالْمَعْصُومِ، الَّذِي مَقْصُودُهُ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ لَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ، فَعُلِمَ انتفاء هذا مما يدّعونه.

وَأَيْضًا فَالْأَئِمَّةُ الِاثْنَا عَشَرَ لَمْ يَحْصُلْ لأحدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ جَمِيعُ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ.

أَمَّا مَنْ دُونَ عَلِيٍّ فَإِنَّمَا كَانَ يَحْصُلُ لِلنَّاسِ مِنْ عِلْمِهِ وَدِينِهِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ نُظَرَائِهِ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَابْنُهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ، كَمَا عَلَّمَهُ عُلَمَاءُ زَمَانِهِمْ، وَكَانَ فِي زَمَنِهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ وَأَنْفَعُ لِلْأُمَّةِ.

وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَلَوْ قدِّر أَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وأَدْيَن، فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مَا يَحْصُلُ مِنْ ذَوِي الولاية والقوة وَالسُّلْطَانِ، وَإِلْزَامِ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَمَنْعِهِمْ بِالْيَدِ عَنِ الباطل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015