الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ كَانَ أَصْحَابُهُ قَدْ عَرَفُوا إِعْرَاضَهُ عَنْهُمْ، وَإِهَانَتَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ يقرِّب أَحَدًا منهم بعد سورة براءة.

هَذَا وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ أَعَزُّ النَّاسِ وَأَكْرَمُهُمْ وأحبهم إليه.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((الْخِلَافُ الثَّالِثُ فِي مَوْتِهِ)) .

فَالْجَوَابُ: لَا رَيْبَ أَنَّ عُمَرَ خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْتُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ أقرَّ بِهِ مِنَ الْغَدِ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا فِي إِنْكَارِ مَوْتِهِ، فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ. وَلَيْسَ لَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عبَّاس أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يكلِّم النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ((أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} (?) . قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا.

فَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: ((وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعُقِرْتُ حتى ما تقلّني رجلاي، وحتى أهويت إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا، عَلِمْتُ أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات)) (?) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((الْخِلَافُ الرَّابِعُ: فِي الْإِمَامَةِ. وَأَعْظَمُ خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذا مَا سُلَّ سَيْفٌ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى قَاعِدَةٍ دِينِيَّةٍ مِثْلُ مَا سُلَّ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ)) .

فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغَلَطِ، فَإِنَّهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَمْ يُسلّ سيفٌ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَنِهِمْ نِزَاعٌ فِي الْإِمَامَةِ، فَضْلًا عَنِ السَّيْفِ، وَلَا كَانَ بَيْنَهُمْ سَيْفٌ مَسْلُولٌ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ. وَالْأَنْصَارُ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ أَفَاضِلُهُمْ، كأُسَيْد بْنِ حُضَيْرٍ وعبَّاد بْنِ بِشْرٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ نَفْسًا وَبَيْتًا.

فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: ((خَيْرُ دُوْرِ الأنصار دار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015