وَكَانَ عُثْمَانُ فِي السِّنِينَ الأُوَل مِنْ وِلَايَتِهِ لَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمَّا كَانَتِ السِّنِينَ الْآخِرَةُ نَقَمُوا مِنْهُ أَشْيَاءَ، بَعْضُهَا هُمْ مَعْذُورُونَ فِيهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا كَانَ عُثْمَانُ هُوَ الْمَعْذُورَ فِيهِ.
مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَمْرُ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ بَقِيَ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُصْحَفِ، لَمَّا فوَّض كِتَابَتَهُ إِلَى زَيْدٍ دُونَهُ، وَأَمَرَ الصَّحَابَةَ أَنْ يَغْسِلُوا مَصَاحِفَهُمْ. وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ عُثْمَانَ.
وَعُثْمَانُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ تكلَّم فِيهِ. هُوَ أَفْضَلُ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وعمَّار وَأَبِي ذَرٍّ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ.
فَلَيْسَ جَعْلُ كَلَامِ الْمَفْضُولِ قَادِحًا فِي الْفَاضِلِ بأَوْلى مِنَ الْعَكْسِ، بَلْ إِنْ أَمْكَنَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَإِلَّا تُكُلِّمَ بِمَا يُعلم مِنْ فَضْلِهِمَا وَدِينِهِمَا، وَكَانَ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمَا وَتَنَازَعَا فِيهِ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ.
وَلِهَذَا أَوْصَوْا بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، لِأَنَّا لَا نُسأل عَنْ ذَلِكَ.
كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: ((تِلْكَ دِمَاءٌ طهَّر اللَّهُ مِنْهَا يَدَيَّ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُخَضِّبَ بِهَا لِسَانِي)) . وَقَالَ آخَرُ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (?) .
لَكِنْ إِذَا ظَهَرَ مُبْتَدِعٌ يَقْدَحُ فِيهِمْ بِالْبَاطِلِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الذَّبِّ عَنْهُمْ، وَذِكْرِ مَا يُبْطِلُ حُجَّتَهُ بعلمٍ وَعَدْلٍ.
وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ مِنْ تَكَلُّمِ عَمَّارٍ فِي عُثْمَانَ، وَقَوْلِ الْحَسَنِ فِيهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((لَقَدْ كَفَر عُثْمَانُ كُفْرَةً صَلْعَاءَ)) وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ، وَقَالَ لَهُ: ((يَا عَمَّارُ أَتَكْفُرُ بربٍّ آمَنَ بِهِ عُثْمَانُ؟)) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ حَتَّى مَاتَ)) .
فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَلِيَ أَقَرَّ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُوفَةِ، إِلَى أَنْ جَرَى مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا جَرَى. وَمَا مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ ضَرْبِ عُثْمَانَ أَصْلًا.
وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا قِيلَ إِنَّ عُثْمَانَ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْ عمَّاراً، فَهَذَا لَا يقدح في أحد منهم؛ فإنه نَشْهَدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَكَابِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ. وَقَدْ قدَّمنا أَنَّ ولي الله