شَهِدَهُ: ((لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ)) (?) هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ مَأْمُومٍ بِإِمَامٍ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، وَقَوْلُهُ لِمَنْ قَالَ: ((لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ. وَلِمَنْ قَالَ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ. قَالَ: احْلِقْ وَلَا حَرَجَ)) (?) . أَمْرٌ لِمَنْ كَانَ مِثْلَهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ الله عنه - الما حَاضَتْ وَهِيَ مُعْتَمِرَةٌ: ((اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غير أن لا تطوفي بالبيت)) (?) ، وأمثاله هَذَا كَثِيرٌ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ إِذَا أُطِيعَ.
وَخُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ كَخُلَفَائِهِ فِي حَيَاتِهِ، فَكُلُّ آمِرٍ بِأَمْرٍ يَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ إِمَامًا لَهُ شَوْكَةٌ وَأَعْوَانٌ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ غيره عهد له بِالْإِمَامَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَطَاعَتُهُ لَا تَقِفُ عَلَى مَا تَقِفُ عَلَيْهِ طَاعَةُ الْأَئِمَّةِ مِنْ عهد من قبله، أو موافقته ذَوِي الشَّوْكَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ تَجِبُ طَاعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ جَمِيعُ النَّاسِ.
وَكَانَتْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةً بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ له أعوان، وأنصار يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، فَهُوَ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِيهِ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} (?) بين سبحانه وتعالى أنه ليس بموته ولا قتل يَنْتَقِضُ حُكْمُ رِسَالَتِهِ، كَمَا يَنْتَقِضُ حُكْمُ الْإِمَامَةِ بِمَوْتِ الْأَئِمَّةِ وَقَتْلِهِمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ خَالِدًا لَا يَمُوتُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هو ربا وإنما هو رسول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.
وَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ، فَطَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَجُوبُهَا فِي حَيَاتِهِ، وَأَوْكَدُ لِأَنَّ الدِّينَ كَمُلَ وَاسْتَقَرَّ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ نَسْخٌ، وَلِهَذَا جُمِعَ الْقُرْآنُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِكَمَالِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ بِمَوْتِهِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ إِنَّهُ كَانَ إِمَامًا فِي حَيَّاتِهِ، وَبَعْدَهُ صَارَ الْإِمَامُ غَيْرَهُ إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ صَارَ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ نَظِيرُهُ يطاع كما يطاع الرسول فهو بَاطِلٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَامَ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَهَذَا كَانَ حَاصِلًا في حياته، فإنه إذا غاب كان