فَيَقُولُ عُثْمَانُ: أَنَا لَمْ أَسْتَعْمِلْ إِلَّا مَنِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ وَمِنْ جِنْسِهِمْ وَمِنْ قَبِيلَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بَعْدَهُ، فَقَدْ ولَّى أَبُو بَكْرٍ يَزِيدَ بْنَ
أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي فُتُوحِ الشام، وأقرَّه عمر، ثم ولَّى عمر بعد أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ.
وَهَذَا النَّقْلُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اسْتِعْمَالِ هَؤُلَاءِ ثَابِتٌ مَشْهُورٌ عَنْهُ، بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمِنْهُ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُ مَا يَعْرِفُهُ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ، وَلَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.
وَالْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ فِي هَذَا أَنْ لَا نَعْتَقِدَ أَنَّ أَحَدًا مَعْصُومٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلِ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُ الْخُلَفَاءِ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْخَطَأُ، وَالذُّنُوبُ الَّتِي تَقَعُ مِنْهُمْ قَدْ يَتُوبُونَ مِنْهَا، وَقَدْ تُكَفَّر عَنْهُمْ بِحَسَنَاتِهِمُ الْكَثِيرَةِ، وَقَدْ يُبْتَلَوْنَ أَيْضًا بِمَصَائِبَ يُكَفِّرُ اللَّهُ عنهم بها، وَقَدْ يُكَفَّرُ عَنْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
فَكُلُّ مَا يُنقل عَنْ عُثْمَانَ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا أَوْ خَطَأً. وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ أَسْبَابُ الْمَغْفِرَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا سَابِقَتُهُ وَإِيمَانُهُ وَجِهَادُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ طَاعَاتِهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِدَ لَهُ، بَلْ بشَّره بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ تَابَ مِنْ عامة ما أنكره عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ ابتُلى بِبَلَاءٍ عَظِيمٍ، فَكَفَّرَ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ، وَصَبَرَ حَتَّى قُتل شَهِيدًا مَظْلُومًا. وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يكفِّر اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا.
وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تنكره الخوارج وغيرهم علي غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا أَوْ خَطَأً، وَكَانَ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ أَسْبَابُ الْمَغْفِرَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. مِنْهَا سَابِقَتُهُ وَإِيمَانُهُ وَجِهَادُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْجَنَّةِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ تَابَ مِنْ أمور كثيرة أُنكرت عليه وندم عَلَيْهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا.
فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُغْنِينَا أَنْ نَجْعَلَ كُلَّ مَا فَعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هُوَ الْوَاجِبَ أَوِ الْمُسْتَحَبَّ مِنْ غير حاجة بنا إلى ذلك.
وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الرَّافِضِيِّ: إِنَّ عُثْمَانَ ولَّى مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْوِلَايَةِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا بَاطِلًا، وَلَمْ يُوَلِّ إِلَّا مَنْ يَصْلُحُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ولَّى مَنْ لَا يَصْلُحُ فِي
نَفْسِ الْأَمْرِ، لَكِنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي