وَقَوْلُهُ: ((إِنَّ عُمَرَ عَلِمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لا يعدل الأمر عن أخيه وان عَمِّهِ)) . فَهَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ عَلَى عُمَرَ وَعَلَى أَنْسَابِهِمْ؛ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْسَ أَخًا لِعُثْمَانَ وَلَا ابْنَ عَمِّهِ وَلَا مِنْ قَبِيلَتِهِ أَصْلًا، بَلْ هَذَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهَذَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ. وَبَنُو زُهْرَةَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ أَكْثَرُ مَيْلًا مِنْهُمْ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّ بَنِي زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -، ومنهم عبد الرحمن بن عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ)) (?) .
وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مُؤَاخَاةٌ وَلَا مُخَالَطَةٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَمُهَاجِرِيٍّ، وَلَا بَيْنَ أَنْصَارِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ، وَإِنَّمَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَآخَى بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ ثَابِتٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يؤاخ بين عثمان وعبد الرحمن.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ إِنْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْبَيْعَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)) .
فَيُقَالُ: أَوَّلًا: من قال إن هذا صحيح؟ وَأَيْنَ النَّقْلُ الثَّابِتُ بِهَذَا؟ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ أمر الأنصار أَنْ لَا يُفَارِقُوهُمْ حَتَّى يُبَايِعُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ.
ثُمَّ يُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ عَلَى عُمَرَ، وَلَمْ يَنْقُل هَذَا أحدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادٍ يُعْرَفُ، وَلَا أَمَرَ عُمَرُ قَطُّ بِقَتْلِ السِّتَّةِ الَّذِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ خِيَارُ الْأُمَّةِ. وَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِمْ، وَإِذَا قُتلوا كَانَ الْأَمْرُ بَعْدَ قَتْلِهِمْ أَشَدَّ فَسَادًا؟ ثُمَّ لَوْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ لَقَالَ ولُّوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ المستحقِّين لِلْأَمْرِ، وَلَا يولِّي بعدهم أحداً؟
فَهَذَا مِنِ اخْتِلَاقِ مفترٍ لَا يَدْرِي مَا يكتب لا شرعا ولا عادة.
ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَ عُمَرُ بِقَتْلِهِمْ، بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا النقل، يستحقِّون القتل إلا علياًّ. فإن عُمَرُ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَلِمَاذَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ يُحَابِيهِمْ فِي الْوِلَايَةِ ويأمر بِقَتْلِهِمْ؟ فَهَذَا جَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: كَانَ مَقْصُودُهُ قَتْلَ عَلِيٍّ.
قِيلَ: لَوْ بَايَعُوا إِلَّا عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَضُرُّ الْوِلَايَةَ، فَإِنَّمَا يَقْتُلُ مَنْ يَخَافُ. وَقَدْ تخلَّف سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ يضربوه ولم يحبسوه، فضلا عن القتل.