الخُمس يُرْسَلُ إِلَيْهِ، كَمَا يُرْسَلُ إِلَى غَيْرِهِ، فَيُقَسِّمُهُ بَيْنَ أَهْلِهِ. وَلَمْ

يَقُلْ عُمَرُ وَلَا غَيْرُهُ: إِنَّ الْغَنِيمَةَ يَجِبُ فِيهَا التَّفْضِيلُ. وَلَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يفضِّل بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ زِيَادَةُ نفع؟

وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ. فَإِذَا كَانَ عُمَرُ يسوِّغ التَّفْضِيلَ لِلْمَصْلَحَةِ، فَهُوَ الَّذِي ضَرَبَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ.

وَأَمَّا التَّفْضِيلُ فِي الْعَطَاءِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يفضّل فيه ويجعل النَّاسَ فِيهِ عَلَى مَرَاتِبَ. ورُوى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَجْعَلَنَّ النَّاسَ بابا واحدا، أي نوعا واحدا.

وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: ((إِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ فِيهِ)) .

فَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا. وَلَوْ ذَكَرَ دَلِيلًا لَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ، كَمَا نَتَكَلَّمُ في مسائل الاجتهاد.

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَقَالَ بِالرَّأْيِ وَالْحَدْسِ وَالظَّنِّ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ مِنْ أَقَوْلِهِمْ بِالرَّأْيِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَزَيْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بِالرَّأْيِ. وَكَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ فِي دِمَاءِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَظَائِمِ. كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا، أَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: مَا عَهِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيَّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ)) (?) . وَهَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ، ولهذا لم يرو عن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِتَالِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ شيئا. كما رواه في قتال الخوارج.))

وَمَا يَتَمَارَى فِي كَمَالِ سِيرَةِ عُمَرَ وَعِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَفَضْلِهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسكة مِنْ عَقْلٍ وَإِنْصَافٍ، وَلَا يَطْعَنُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015