اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَصْلَ الرَّابِعَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ ذَكَرَ الْفَصْلَ الْخَامِسَ فِي إِبْطَالِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وعمر وعثمان، فَيُقَالُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:
(أَحَدُهَا) : أن يقال أولا أن الْقَائِلِ: إِنَّ مَسْأَلَةَ الْإِمَامَةِ أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ، وَأَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، كَذِبٌ بِإِجْمَاعِ المسلمين، سنيهم وشيعيهم، بل هو كُفْرٌ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَهَمُّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ.
وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَالْكَافِرُ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكفار كَمَا اسْتَفَاضَ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قَالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا)) (?)
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} (?) . وَكَذَلِكَ قَالَ لِعَلِيٍّ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى خَيْبَرَ وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يَسِيرُ فِي الْكُفَّارِ فَيَحْقِنُ دِمَاءَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ لَا يَذْكُرُ لَهُمُ الْإِمَامَةَ بِحَالٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (?) .
فجعلهم إخوانا في الدين بالتوبة، فإن الْكُفَّارَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا إِذَا أَسْلَمُوا أَجْرَى عَلَيْهِمْ أحكام الاسلام، ولم يذكر لهم الإمامة بحال، ولا نقل هذا عن الرسول أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا نَقْلًا خَاصًّا ولا عاما، بل نحن نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ لِلنَّاسِ إِذَا أَرَادُوا الدُّخُولَ في دينه الإمامة لا مطلقا ولا معنيا.
فَكَيْفَ تَكُونُ أَهَمَّ الْمَطَالِبِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ؟ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَةَ بِتَقْدِيرِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا مَنْ مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَكُونُ أَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهَمُّ المطالب في الدين لا يحتاج