بِسَبْعِينَ قَضِيَّةً. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى قُصُورِهِ فِي الْعِلْمِ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ. كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَقْضِي ويُفتى إِلَّا هُوَ؟! وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لأحدٍ من الصحابة مِنْهُ لَهُ وَلِعُمَرَ. وَلَمْ يَكُنْ أحدٌ أَعْظَمَ اخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ ثم عمر.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِثْلُ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرِهِ، إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ. وَهَذَا بيِّنٌ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي وَلَايَتِهِ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا فصلَّها هُوَ بِعِلْمٍ يبيِّنه لَهُمْ، وَحُجَّةٍ يَذْكُرُهَا لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. كَمَا بيَّن لَهُمْ مَوْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَثْبِيتَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَقِرَاءَتَهُ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ، ثُمَّ بيَّن لَهُمْ مَوْضِعَ دَفْنِهِ، وبيَّن لَهُمْ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةَ لَمَّا
اسْتَرَابَ فِيهِ عُمَرُ، وبيَّن لَهُمْ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، لَمَّا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَكُونُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ.
وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَوَّلِ حَجَّةٍ حُجَّتْ مِنْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعِلْمُ الْمَنَاسِكِ أَدَقُّ مَا فِي العبادات، لولا سَعَةُ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ. وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ اسْتَخْلَفَهُ فِيهَا، وَلَوْلَا عِلْمُهُ بِهَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ. وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ غَيْرَهُ لَا فِي حَجٍّ وَلَا فِي صَلَاةٍ.
وَكِتَابُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهُ أَنَسٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَهُوَ أَصَحُّ مَا رُوى فِيهَا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ.
وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يُعرف لِأَبِي بَكْرٍ مَسْأَلَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ غَلِطَ فِيهَا، وَقَدْ عُرف لِغَيْرِهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ، كَمَا بسط في موضعه.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: ((لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ الْكَلَالَةِ حَتَّى قَالَ فِيهَا بِرَأْيهِ)) .
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ عِلْمِهِ. فَإِنَّ هَذَا الرَّأْيَ الَّذِي رَآهُ فِي الْكَلَالَةِ قَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُ؛ فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِي الْكَلَالَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَالْقَوْلُ بِالرَّأْيِ هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ سائر الصحابة، كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، لَكِنَّ الرَّأْيَ الْمُوَافِقَ لِلْحَقِّ هُوَ الَّذِي يكون لصاحبه أَجْرَانِ، كَرَأْيِ الصدِّيق، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي غَايَةُ صَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ.
وَقَدْ قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَاد لِعَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ مَسِيرَكَ هَذَا: أَلِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ