وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي رَوَاهُ الرَّافِضِيُّ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَيْسَ مَرْفُوعًا، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، مَعَ أَنَّ نَقْلَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَعَ هَذَا فَحُبُّ عَلِيٍّ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُ، كَمَا عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ عُثْمَانَ وَعُمَرَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَأَنْ نُحِبَّ الْأَنْصَارَ.
فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ)) (?) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ)) (?) .
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَمِنْهَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ ((الْفِرْدَوْسِ)) فِي كِتَابِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((حب عَلِيٍّ حَسَنَةٌ لَا تَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ وَبُغْضُهُ سَيِّئَةٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَةٌ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ كِتَابَ ((الْفِرْدَوْسِ)) فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَمُصَنِّفُهُ شِيرَوَيْهِ بْنُ شَهْرَدَارَ الدَّيْلَمِيُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلَبَةِ الْحَدِيثِ وَرُوَاتِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي جَمَعَهَا وَحَذَفَ أَسَانِيدَهَا، نَقَلَهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِصَحِيحِهَا وَضَعِيفِهَا وَمَوْضُوعِهَا؛ فَلِهَذَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَشْهَدُ الْمُسْلِمُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُهُ؛ فَإِنَّ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْظَمُ مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ، والسيئات تضر مع ذلك. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضرب عبد الله بن حمار في الْخَمْرِ، وَقَالَ: ((إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) . وَكُلُّ مؤمن فلابد أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالسَّيِّئَاتُ تَضُرُّهُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ وعُلم بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الشِّرْكَ يَضُرُّ صَاحِبَهُ وَلَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؛ فَإِنَّ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يُحِبُّهُ وَقَدْ ضَرَّهُ الشِّرْكُ حَتَّى دَخَلَ النَّارَ، وَالْغَالِيَةُ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ يُحِبُّونَهُ وَهُمْ كُفَّارٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.