وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ: ((كَانَ بِالْيَمَنِ يَطْعَنُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَبَ إِلَى أبيه صخر بن حرب يعيّره بإسلامه)) .
فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ؛ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، لَمْ يَكُنْ بِالْيَمَنِ، وَأَبُوهُ أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ لَيْلَةَ نَزَلَ بِهَا، وَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ يُحِبُّ الشَّرَفَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ)) (?) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ الْفَتْحَ كَانَ فِي رَمَضَانَ لِثَمَانٍ مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ)) فَهَذَا صَحِيحٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ مُقِيمًا عَلَى شِرْكِهِ هَارِبًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّهُ كَانَ قدر أَهْدَرَ دَمَهُ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ لَهُ مَأْوًى صَارَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَرًّا، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ)) .
فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ؛ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: ((إِنَّهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)) وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ أَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ مِنْ غَنَائِمِ هَوَازن، وَكَانَ معاوية ممن أعطاه منها، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَأَلَّفُ السَّادَةَ الْمُطَاعِينَ فِي عَشَائِرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ إِلَّا قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُعط شَيْئًا مِنْ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ.
وَمَنْ كَانَتْ غَايَتُهُ أن يؤمن لم يحتج إلى تأليف.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ إِسْلَامُ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلى هذه الغاية، وَأَهْلُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ أُهدر دَمَهُ عَامَ الْفَتْحِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُوصف بِذَلِكَ دون غيره)) .