أوقات أخرى مَنْ يُنَادِي عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ يَا مَوْلَانَا اخْرُجْ، وَيُشْهِرُونَ السِّلَاحَ وَلَا أَحَدَ هُنَاكَ يُقَاتِلُهُمْ، وَفِيهِمْ من يقوم في أوقات دَائِمًا لَا يُصَلِّي، خَشْيَةَ أَنْ يَخْرُجَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَشْتَغِلَ بِهَا عَنْ خُرُوجِهِ، وَخِدْمَتِهِ، وهم في أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ عَنْ مَشْهَدِهِ كَمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِمَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَإِمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ يتوجهون إلى المشرق، وينادون بِأَصْوَاتٍ عَالِيَةٍ يَطْلُبُونَ خُرُوجَهُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْخُرُوجِ فَإِنَّهُ يَخْرُجْ، سَوَاءٌ نَادَوْهُ أَوْ لَمْ يُنَادُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَهُوَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ فَإِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُهُ وَيَأْتِيهِ بِمَا يَرْكَبُهُ، وَبِمَنْ يُعِينُهُ وَيَنْصُرُهُ، لَا يحتاج أَنْ
يُوقِفَ لَهُ دَائِمًا مِنَ الْآدَمِيِّينَ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنهم يحسنون صنعا، والله سبحانه وتعالى قَدْ عَابَ فِي كِتَابِهِ مَنْ يَدْعُو مَنْ لا يستجيب دُعَاءَهُ فَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (?) هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَصْنَامَ مَوْجُودَةٌ، وَكَانَ يَكُونُ بها أَحْيَانًا شَيَاطِينُ تَتَرَاءَى لَهُمْ وَتُخَاطِبُهُمْ.
وَمَنْ خَاطَبَ مَعْدُومًا كَانَتْ حَالَتُهُ أَسْوَأَ مِنْ حَالِ مَنْ خاطب موجودا، وإن كان جمادا، فمن دعا المنتظر الذي لم يخلقه الله، كان ضَلَالُهُ أَعْظَمَ مِنْ ضَلَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِذَا قَالَ أَنَا أَعْتَقِدُ وُجُودَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ أُولَئِكَ نَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لَهَا شَفَاعَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاينفعهم وَلَا يَضُرُّهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَدْعُو مَنْ لَا يَنْفَعُ دُعَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ اتَّخَذُوهُمْ شُفَعَاءَ آلِهَةً، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ هُوَ إِمَامٌ مَعْصُومٌ فَهُمْ يُوَالُونَ عَلَيْهِ. وَيُعَادُونَ عَلَيْهِ كَمُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى آلِهَتِهِمْ، وَيَجْعَلُونَهُ رُكْنًا فِي الْإِيمَانِ لَا يَتِمُّ الدِّينُ إِلَّا بِهِ، كَمَا يَجْعَلُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ آلِهَتَهُمْ كذلك وقال تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيْيِنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِْييِنَ أَرْبَابَاً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} (?) .