وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَالْكَلَامِ الْفَاسِدِ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَلَكِنْ سَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوهًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

أَحَدُهَا: أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ ادِّعَاءِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَدَاك فَإِنَّ هَذَا يُنَاقِضُ كَوْنَهَا مِيرَاثًا لَهَا، فَإِنْ كَانَ طَلَبُهَا بِطْرِيقِ الْإِرْثِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ بِطْرِيقِ الْهِبَةِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ هِبَةً فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ، إِنْ كَانَ يُورث كَمَا يُورَثُ غَيْرُهُ، أَنْ يُوصَى لِوَارِثٍ أَوْ يَخُصُّهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِي صِحَّتِهِ فَلَا بُدَّ أن تكون هذه هبة مقبوضة، وإلا إذا وَهَبَ الْوَاهِبُ بِكَلَامِهِ وَلَمْ يَقْبِضِ الْمَوْهُوبُ شَيْئًا حتى مات الواهب كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، فَكَيْفَ يَهِبُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَك لِفَاطِمَةَ وَلَا يَكُونُ هَذَا أَمْرًا مَعْرُوفًا عِنْدَ أهل بيته والمسلمين، حتى تختص بِمَعْرِفَتِهِ أُمُّ أَيْمَنَ أَوْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؟

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ادِّعَاءَ فَاطِمَةَ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسُ بْنُ سُرَيْجٍ فِي الْكِتَابِ الَّذِي صنَّفه فِي الرَّدِّ عَلَى عِيسَى بْنِ أَبَانَ لَمَّا تكلَّم مَعَهُ فِي بَابِ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ، وَاحْتَجَّ بِمَا احْتَجَّ، وَأَجَابَ عمَّا عَارَضَ بِهِ عِيسَى بْنَ أَبَانَ، قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ الْبُحْتُرِيِّ بْنِ حسَّان عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ ذَكَرَتْ لِأَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا فَدَك، وَأَنَّهَا جَاءَتْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، فَقَالَ: رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ، وَامْرَأَةٌ مَعَ امْرَأَةٍ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْجَبَ هَذَا! قَدْ سَأَلَتْ فَاطِمَةُ أَبَا بَكْرٍ مِيرَاثَهَا وَأَخْبَرَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: لا نُورث، وما حُكِيَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ فَاطِمَةَ ادَّعَتْهَا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا شَهِدَ بِذَلِكَ.

وَلَقَدْ رَوَى جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ فِي فَدَك: ((إِنْ فَاطِمَةَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا وَيَعُودُ عَلَى ضَعَفَة بَنِي هَاشِمٍ وَيُزَوِّجُ منه أيِّمِهم، وكانت كذلك حياة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَ صَدَقَةٍ وَقَبِلَتْ فَاطِمَةُ الْحَقَّ، وَإِنِّي أُشهدكم أَنِّي رَدَدْتُهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَلَمْ يُسمع أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ادَّعَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا إِيَّاهَا فِي حَدِيثٍ ثَابِتٍ مُتَّصِلٍ، وَلَا أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ لَهَا. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لحُكي، لِأَنَّهَا خُصُومَةٌ وَأَمْرٌ ظَاهِرٌ تَنَازَعَتْ فِيهِ الأمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015